قوله تعالى: { ويوم نحشرهم جميعاً } يعني: الجن والإنس. وقرأ حفص عن عاصم: «يحشرهم» بالياء. قال أبو سليمان: يعني: المشركين وشياطينهم الذين كانوا يوحون إليهم بالمجادلة لكم فيما حرَّمه الله من الميتة.
قوله تعالى: { يا معشر الجن } فيه إضمار، فيقال لهم: يامعشر؛ والمعشر: الجماعة أمرهم واحد، والجمع: المعاشر.
وقوله: { قد استكثرتم من الإنس } أي: من إغوائهم وإضلالهم. { وقال أولياؤهم من الإنس } يعني: الذين أضلهم الجن. { ربَّنا استمتع بعضُنا ببعض } فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أن استمتاع الإنس بالجن: أنهم كانوا إذا سافروا، فنزلوا وادياً، وأرادوا مبيتاً، قال أحدهم: أعوذ بعظيم هذا الوادي من شر أهله؛ واستمتاع الجن بالإنس: أنهم كانوا يفخرون على قومهم، ويقولون: قد سدنا الإنس حتى صاروا يعوذون بنا، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مقاتل، والفراء.
والثاني: أن استمتاع الجن بالإنس: طاعتهم لهم فيما يغرونهم به من الضلالة والكفر والمعاصي. واستمتاع الإنس بالجن: أن الجن زَيَّنَتْ لهم الأمور التي يهوَوْنَها، وشَّهوْها إليهم حتى سهل عليهم فعلها، روى هذا المعنى عطاء عن ابن عباس، وبه قال محمد بن كعب، والزجاج.
والثالث: أن استمتاع الجن بالإنس: إغواؤهم إياهم. واستمتاع الإنس بالجن: ما يتلقَّون منهم من السحر والكهانة ونحو ذلك. والمراد بالجن في هذه الآية: الشياطين.
قوله تعالى: { وبلغنا أجلنا الذي أجَّلْتَ لنا } فيه قولان.
أحدهما: الموت، قاله الحسن، والسدي. والثاني: الحشر، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: { قال النار مثواكم } قال الزجاج: المثوى: المقام؛ و«خالدين» منصوب على الحال. المعنى: النار مقامكم في حال خلود دائم { إلا ما شاء الله } هو استثناء من يوم القيامة، والمعنى: { خالدين فيها } مذ يبعثون { إلا ما شاء الله } من مقدار حشرهم من قبورهم، ومدتهم في محاسبتهم. ويجوز أن تكون: { إلا ما شاء الله } أن يزيدهم من العذاب. وقال بعضهم: إلا ما شاء الله من كونهم في الدنيا بغير عذاب؛ وقيل في هذا غير قول، ستجدها مشروحة في (هود) إن شاء الله.