التفاسير

< >
عرض

وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ
٩١
-الأنعام

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { وما قدروا الله حق قدره } في سبب نزولها سبعة اقوال.

أحدها: " أن مالك بن الصيف رأس اليهود، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أتجد فيها أن الله يبغض الحبر السمين؟ قال: نعم. قال: فأنت الحبر السمين فغضب ثم قال: { ما أنزل الله على بشر من شيء } فنزلت هذه الآية" ، رواه أبو صالح عن ابن عباس؛ وكذلك قال سعيد بن جبير، وعكرمة: نزلت في مالك بن الصيف.

والثاني: أن اليهود قالوا يا محمد، أنزل الله عليك كتاباً؟ قال: «نعم». قالوا والله ما أنزل الله من السماء كتاباً، فنزلت هذه الآية، رواه الوالبي عن ابن عباس.

والثالث: أن اليهود قالوا يا محمد، إن موسى جاء بألواح يحملها من عند الله، فائتنا بآية كما جاء موسى، فنزل { { يسألك أهل الكتاب أن تنزِّل عليهم كتاباً من السماء } [النساء: 153] إلى قوله { { عظيماً } [النساء: 156]. فلما حدَّثهم بأعمالهم الخبيثة، قالوا: والله ما أنزل الله عليك ولا على موسى وعيسى، ولا على بشر، من شيء، فنزلت هذه الآية، قاله محمد بن كعب.

والرابع: أنها نزلت في اليهود والنصارى، آتاهم الله علما فلم ينتفعوا به، قاله قتادة.

والخامس: أنها نزلت في فنحاص اليهودي، وهو الذي قال: { ما أنزل الله على بشر من شيء } قاله السدي.

والسادس: أنها نزلت في مشركي قريش، قالوا: والله ما أنزل الله على بشر من شيء، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.

والسابع: أن أولها إلى قوله { من شيء } في مشركي قريش، وقوله: { من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى } في اليهود، رواه ابن كثير عن مجاهد. وفي معنى: { وما قدروا الله حق قدره } ثلاثة أقوال.

أحدها: ما عظَّموا الله حق عظمته، قاله ابن عباس، والحسن، والفراء، وثعلب، والزجاج.

والثاني: ما وصفوه حق وصفته، قاله أبو العالية، واختاره الخليل.

والثالث: ما عرفوه حق معرفته، قاله أبو عبيدة.

قوله تعالى: { يجعلونه قراطيس } معناه: يكتبونه في قراطيس. وقيل: إنما قال: قراطيس، لأنهم كانوا يكتبونه في قراطيس مقطَّعة، حتى لا تكون مجموعة، ليخفوا منها ما شاؤوا.

قوله تعالى: { يبدونها } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: «يجعلونه قراطيس يبدونها» و «يخفون» بالياء فيهن. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: بالتاء فيهن. فمن قرأ بالياء، فلأن القوم غُيّب، بدليل قوله: { وما قدروا الله حق قدره } ومن قرأ بالتاء، فعلى الخطاب، والمعنى: تبدون منها ما تحبون، وتخفون كثيراً، مثل صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وآية الرجم، ونحو ذلك مما كتموه.

قوله تعالى: { وعُلّمتم مالم تعلموا أنتم ولا آباؤكم } في المخاطب بهذا قولان.

أحدهما: أنهم اليهود، قاله الجمهور.

والثاني: أنه خطاب للمسلمين، قاله مجاهد. فعلى الأول: عُلِّموا ما في التوراة؛ وعلى الثاني: عُلِّموا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.

قوله تعالى: { قل الله } هذا جواب لقوله: { من أنزل الكتاب } وتقديره: فإن أجابوك، وإلا فقل: الله أنزله.

قوله تعالى: { ثم ذرهم } تهديد. وخوضهم: باطلهم. وقيل: إن هذا أمر بالإعراض عنهم، ثم نسخ بآية السيف.

قوله تعالى: { وهذا كتاب أنزلناه } يعني: القرآن، قال الزجاج، والمبارك: الذي يأتي من قِبَله الخير الكثير. والمعنى: أنزلناه للبركة والإنذار.