التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ
٩٣
-الأنعام

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إليَّ } اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال.

أحدها: أن أولها، إلى قوله: { ولم يوحَ إليه شيء } نزل في مُسيلمة الكذاب.

وقوله تعالى: { ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } نزل في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان قد تكلم بالإسلام، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحايين، فاذا أُملي عليه: «عزيز حكيم» كتب: «غفور رحيم» فيقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا وذاك سواء. فلما نزلت { { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } [المؤمنون: 12] أملاها عليه، فلما انتهى إلى قوله: { { خلقا آخر } [المؤمنون: 14] عجب عبد الله بن سعد، فقال: { تبارك الله أحسن الخالقين } [المؤمنون: 14] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. "كذا أنزلت عليَّ فاكتبها" فشك حينئذ، وقال: لئن كان محمد صادقاً، لقد أوحي إليَّ كما أوحي إليه، ولئن كان كاذباً، لقد قلت كما قال، رواه أبو صالح عن ابن عباس. قال عكرمة: ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة.

والقول الثاني: أن جميع الآية في عبد الله بن سعد، قاله السدي.

والثالث: أنها نزلت في مسيلمة، والأسود العنْسيّ، قاله قتادة. فان قيل: كيف أفرد قوله: { أو قال أُوحي إليَّ } من قوله: { ومن أظلم ممن افترى } وذاك مفترٍ أيضا؟ فعنه جوابان.

أحدهما: أن الوصفين لرجل واحد، وصف بأمر بعد أمر ليدل على جرأته.

والثاني: أنه خص بقوله: { أو قال أُوحي إليَّ } بعد أن عم بقوله: { افترى على الله } لأنه ليس كل مفترٍ على الله يدعي أنه يوحى إليه، ذكرهما ابن الأنباري.

قوله تعالى: { سأُنزل مثل ما أنزل الله } أي: سأقول. قال ابن عباس: يعنون الشعر، وهم المستهزؤون. وقيل: هو قول عبد الله بن سعد بن أبي سرح. قال الزجاج: وهذا جواب لقولهم: { لو نشاء لقلنا مثل هذا }.

قوله تعالى: { ولو ترى إذ الظالمون } فيهم ثلاثة أقوال.

أحدها: أنهم قوم كانوا مسلمين بمكة، فأخرجهم الكفار معهم إلى قتال بدر، فلما أبصروا قلَّة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا عن الإيمان، فنزل فيهم هذا، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أنهم الذين قالوا: { ما أنزل الله على بشر من شيء } قاله أبو سليمان.

والثالث: الموصوفون في هذه الآية، وهم المفترون والمدَّعون الوحي إليهم، ومماثلة كلام الله. قال الزجاج: وجواب «لو» محذوف؛ والمعنى: لو تراهم في غمرات الموت لرأيت عذاباً عظيماً. ويقال: لكل من كان في شيء كبير: قد غمر فلاناً ذلك. قال ابن عباس: غمرات الموت: سكراته. قال ابن الانباري: قال اللغويون: سميت غمرات، لأن أهوالها يغمرن من يقعن به.

قوله تعالى: { والملائكة باسطو أيديهم } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: بالضرب، قاله ابن عباس. والثاني: بالعذاب، قاله الحسن، والضحاك. والثالث: باسطوها لقبض الأرواح من الأجساد، قاله الفراء. وفي الوقت الذي يكون هذا فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: عند الموت، قال ابن عباس هذا عند الموت، الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم، وملك الموت يتوفاهم.

والثاني: يوم القيامة، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثالث: في النار، قاله الحسن.

قوله تعالى: { أخرجوا أنفسكم } فيه إضمار «يقولون» وفي معناه قولان.

أحدهما: استسلموا لإخراج أنفسكم.

والثاني: أخرجوا أنفسكم من العذاب إن قدرتم.

قوله تعالى: { تجزَون عذاب الهون } قال أبو عبيدة: الهون: مضموم، وهو الهوان، وإذا فتحوا أوله، فهو الرِّفق والدَّعة. قال الزجاج: والمعنى: تجزَون العذاب الذي يقع به الهوان الشديد.