التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٢
كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٣
إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ
٤
-الصف

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { لم تقولون ما لا تفعلون } في سبب نزولها خمسة أقوال:

أحدها: ما روى أبو سلمة عن عبد الله بن سلام، قال: قعدنا نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل عملناه، فأنزل الله { سبح لله ما في السموات } إلى آخر السورة.

والثاني: أن الرجل كان يجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: فعلتُ كذا وكذا، وما فعل، فنزلت «لم تقولون ما لا تفعلون» رواه عكرمة عن ابن عباس، وكذلك قال الضحاك: كان الرجل يقول: قاتلتُ، ولم يقاتل، وطعنت، ولم يطعن، وصبرت، ولم يصبر، فنزلت هذه الآية.

والثالث: أن ناساً من المسلمين كانوا يقولون قبل أن يفرض الجهاد: لوددنا أن الله تعالى دلنا على أحب الأعمال إِليه، فلما نزل الجهاد، كرهه ناس من المؤمنين، فنزلت هذه الآية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

والرابع: أن صهيباً قتل رجلاً يوم بدر، فجاء رجل فادعى أنه قتله وأخذ سلبه، فقال صهيب: أنا قتلته يا رسول الله، فأمره أن يدفع سلبه إلى صهيب، ونزلت هذه الآية، رواه سعيد بن المسيب عن صهيب.

والخامس: أن المنافقين كانوا يقولون للنبي وأصحابه: لو قد خرجتم خرجنا معكم، ونصرناكم. فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم نكصوا عنه، فنزلت هذه الآية، قاله ابن زيد.

قوله تعالى: { كبُر مقتاً عند الله } قال الزجاج: «مقتاً» منصوب على التمييز، والمعنى: كَبُرَ قولُكم ما لا تفعلون مقتاً عند الله. ثم أعلم عز وجل ما الذي يحبه، فقال تعالى: { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص } أي: بنيان لاصق بعضه ببعض، فأعلم أنه يحب من يثبت في الجهاد، ويلزم مكانه كثبوت البنيان المرصوص. ويجوز أن يكون عنى أن يستوي ثباتهم في حرب عدوِّهم حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان المرصوص، وللمفسرين في المراد بـ «المرصوص» قولان.

أحدهما: أنه الملتصق بعضه ببعض، فلا يرى فيه خلل لإحكامه، قاله الأكثرون.

والثاني: أنه المبنيُّ بالرصاص، وإلى نحو هذا ذهب الفراء، وكان أبو بحرية يقول: كانوا يكرهون القتال على الخيل، ويستحبُّون القتال على الأرض لهذه الآية اسم أبي بحرية: عبد الله بن قيس التَّراغِمي، يروي عن معاذ، وكأنه أشار بذلك إلى أن الفرسان لا يصطفُّون في الغالب إنما يَصْطَفُّ الرَّجَّالة.