التفاسير

< >
عرض

إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ
١
ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ
٣
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ
٤
-المنافقون

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { إذا جاءك المنافقون } يعني: عبد الله بن أُبَيّ وأصحابه { قالوا نشهد إنك لرسول الله } وهاهنا تم الخبر عنهم. ثم ابتدأ فقال تعالى: { والله يعلم إِنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } وإنما جعلهم كاذبين، لأنهم أضمروا غير ما أظهروا. قال الفراء: إنما كذب ضميرهم. { اتخذوا أَيْمانهم جُنَّةً فَصَدُّوا عن سبيل الله } قد ذكرناه في [المجادلة: 16] قال القاضي أبو يعلى: وهذه الآية تدل على أن قول القائل: «أشهد» يمين، لأنهم قالوا: «نشهد» فجعله يميناً بقوله تعالى: { اتخذوا أَيْمانهم جُنَّة } وقد قال أحمد، والأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة: أَشْهَدُ، وأُقْسِمُ، وأَعْزِمُ، وأَحْلِفُ، كُلُّها أَيْمان. وقال الشافعي: «أُقسم» ليس بيمين. وإنما قوله: «أقسم بالله» يمين إذا أراد اليمين.

قوله تعالى: { ذلك } أي: ذلك الكذب { بأنهم آمنوا } باللسان { ثم كفروا } في السِّرِّ { فطُبِع على قلوبهم فهم لا يفقهون } الإِيمان والقرآن { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } يعني: أن لهم أجساماً ومناظر. قال ابن عباس: كان عبد الله بن أُبَيّ جسيماً فصيحاً، ذَلْقَ اللسان، فإذا قال، سمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم قوله. وقال غيره: المعنى: تصغي إلى قولهم، فتَحْسِب أنه حق { كأنهم خشب } قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة: «خُشُبٌ» بضم الخاء، والشين جميعاً، وهو جمع خَشبة. مثل ثَمَرَةٍ، وثُمُرٍ. وقرأ الكسائي: بضم الخاء، وتسكين الشين، مثل: بَدَنَةٍ، وبُدْنٍ، وأَكَمَةٍ، وأُكْمِ. وعن ابن كثير، وأبي عمرو، مثله. وقرأ أبو بكر الصديق، وعروة، وابن سيرين: «خَشَبٌ» بفتح الخاء، والشين جميعاً. وقرأ أبو نهيك، وأبو المتوكل، وأبو عمران بفتح الخاء، وتسكين الشين، فوصفهم الله بحسن الصورة، وإبانة المنطق، ثم أعلم أنهم في ترك التفهُّم والاستبصار بمنزلة الخُشُب. والمُسَنَّدة: الممالة إلى الجدار. والمراد: أنها ليست بأشجار تثمر وتنمي، بل خُشُبٌ مُسَنَّدةٌ إلى حائط. ثم عابهم بالجبن فقال تعالى: { يحسبون كل صيحة عليهم } أي: لا يسمعون صوتاً إلا ظنوا أنهم قد أُتوا لما في قلوبهم من الرعب أن يكشف الله أسرارهم، وهذه مبالغة في الجبن. وأنشدوا في هذا المعنى:

وَلَوْ أَنَّها عُصْفُورَةٌ لحَسِبْتَها مُسَوَّمةً تدعو عُبيْداً وَأَزْنَما

أي: لو طارت عصفورة لحسبتها من جبنك خيلاً تدعو هاتين القبيلتين.

قوله تعالى: { هم العَدُوُّ فاحذرهم } أي: لا تأمنهم على سِرِّك، لأنهم عيون لأعدائك من الكفار { قَاتَلَهم الله أَنَّى يُؤفكون } مفسر في [براءة: 30].