قوله تعالى: { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } قال الزجاج: هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. والمؤمنون داخلون معه فيه. ومعناه: إذا أردتم طلاق النساء، كقوله تعالى:
{ إذا قمتم إِلى الصلاة } [المائدة: 6] وفي سبب نزول هذه الآية قولان. أحدهما: أنها نزلت حين طلَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم حَفْصَةَ، وقيل له: راجعها، فإنها صَوَّامةٌ قَوَّامةٌ، وهي من إحدى زوجاتك في الجنة، قاله أنس بن مالك.
والثاني: أنها نزلت في عبد الله بن عمر، وذلك أنه طلق امرأته حائضاً، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، قاله السدي.
قوله تعالى: { لِعِدَّتِهنَّ } أي: لزمان عِدَّتهن، وهو الطهر. وهذا للمدخول بها، لأن غير المدخول بها لا عدَّة عليها.
والطلاق: على ضربين: سُنِّيٌّ، وبِدْعيٌّ.
فالسُّنِّيُّ: أن يطلِّقها في طهر لم يجامعها فيه، وذلك هو الطلاق لِلْعِدَّة، لأنها تعتدُّ بذلك الطهر من عدَّة، وتقع في العدة عقيب الطلاق، فلا يطول عليها زمان العدة.
والطلاق البدعي: أن يقع في حال الحيض، أو في طهر قد جامعها فيه، فهو واقع، وصاحبه آثم، وإِن جمع الطلاق الثلاث في طهرٍ واحد، فالمنصور من مذهبنا أنه بدعة.
قوله تعالى: { وأحصوا العدة } أي: زمان العدة. وفي إحصائها فوائد. منها: مراعاة زمان الرجعة، وأوان النفقة، والسكنى، وتوزيع الطلاق على الإقرار إذا أراد أن يطلِّق ثلاثاً، ولِيَعْلَمَ أنها قد بانت، فيتزوّج بأختها، وأربع سواها.
قوله تعالى: { واتقوا الله ربَّكم } أي: فلا تعصوه فيما أمركم به. { ولا تخرجوهن من بيوتهن } فيه دليل على وجوب السكنى. ونسب البيوت إليهن، لسكناهن قبل الطلاق فيهن، ولا يجوز لها أن تخرج في عدتها إلا لضرورة ظاهرة. فإن خرجت أثِمتْ { إلا أن يأتين بفاحشة } وفيها أربعة أقوال:
أحدها: المعنى: إلا أن يخرجن قبل انقضاء المدة، فخروجهن هو الفاحشة المبّينة، وهذا قول عبد الله بن عمر، والسدي، وابن السائب.
والثاني: أن الفاحشة: الزنا، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والشعبي، وعكرمة، والضحاك. فعلى هذا يكون المعنى: إلا أن يزنين فَيُخْرَجْنَ لإقامة الحدِّ عليهنَّ.
والثالث: الفاحشة: أن تبذُؤَ على أهلها، فيحلُّ لهم إخراجها، رواه محمد بن إبراهيم عن ابن عباس.
والرابع: أنها إصابة حدٍّ، فتخرج لإقامة الحدِّ عليها، قاله سعيد ابن المسيب.
قوله تعالى: { وتلك حدود الله } يعني: ما ذكر من الأحكام { ومن يتعدَّ حدود الله } التي بيَّنها. وأمر بها { فقد ظلم نفسه } أي: أثم فيما بينه وبين الله تعالى { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً } أي: يُوقع في قلب الزوج المحبَّة لرجعتها بعد الطَّلْقة والطلقتين. وهذا يدل على أن المستحب في الطلاق تفريقه، وأن لا يجمع الثلاث.