التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٩
ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ
١٠
وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
١١
وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ
١٢
-التحريم

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { جاهد الكفار والمنافقين } قد شرحناه في [براءة: 73].

قوله تعالى: { ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح } قال المفسرون منهم مقاتل: هذا المثل يتضمن تخويف عائشة وحفصة أنهما إن عَصيا ربَّهما لم يُغْنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما شيئاً. قال مقاتل: اسم امرأة نوح «والهة» وامرأة لوط «والغة».

قوله تعالى: { كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين } يعني: نوحاً ولوطاً عليهما السلام { فخانتاهما } قال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط، إنما كانت خيانتهما في الدِّين، كانت امرأة نوح تخبر الناس أنه مجنون، وكانت امرأة لوط تدل على الأضياف، فإذا نزل بلوط ضيفٌ بالليل أوقدت النار، وإذا نزل بالنهار دخنت ليعلم قومه أنه قد نزل به ضيف. وقال السدي: كانت خيانتهما: كفرهما. وقال الضحاك: نميمتهما. وقال ابن السائب: نفاقهما.

قوله تعالى: { فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً } أي: فلم يدفعا عنهما من عذاب الله شيئاً. وهذه الآية تقطع طمع مَن ركب المعصية ورجا أن ينفعه صلاح غيره. ثم أخبر أن معصية الغير لا تضر المطيع. بقوله تعالى: { وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون } وهي آسية بنت مزاحم رضي الله عنها. وقال يحيى بن سلام: ضرب الله المثل الأول يحذِّر به عائشة وحفصة رضي الله عنهما. ثم ضرب لهما هذا المثل يرغبهما في التمسك بالطاعة. وكانت آسية قد آمنت بموسى. قال أبو هريرة: ضرب فرعون لامرأته أوتاداً في يديها ورجليها، وكانوا إذا تفرَّقوا عنها أظلتها الملائكة، فقالت: { رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة } فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته قبل موتها { ونجني من فرعون وعمله } فيه قولان.

أحدهما: أن عمله: جِمَاعُهُ.

والثاني: أنه دينه رويا عن ابن عباس { ونجني من القوم الظالمين } يعني: أهل دين المشركين.

قوله تعالى: { والتي أحصنت فرجها } قد ذكرنا فيه قولين في سورة [الأنبياء:92] فمن قال: هو فرج ثوبها، قال «الهاء» في قوله تعالى: { فنفخنا فيه } يرجع إليه، وذلك أن جبريل مَدَّ جيب درعها، فدخل فيه. ومن قال: هو مخرج الولد، قال: «الهاء» كناية عن غير مذكور، لأنه إنما نفخ في درعها لا في فرجها.

قوله تعالى: { وصدَّقت بكلمات ربها } وفيه قولان.

أحدهما: أنها قول جبريل { إِنما أنا رسول ربكِ } [مريم:19].

والثاني: أن الكلمات هي التي تضمنَّتها كتب الله المنزلة. وقرأ أُبيُّ ابن كعب، وأبو مجلز، وعاصم الجحدري، «بكلمةِ ربها» على التوحيد «وكُتُبه» قرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وابو بكر عن عاصم «وكتابِهِ» على التوحيد، وقرأ أبو عمرو، وحفص عن عاصم، وخارجة عن نافع «وكُتُبه» جماعة، وهي التي أنزلت على الأنبياء، ومن قرأ «وكتابه» فهو اسم جنس على ما بيَّنَّا في خاتمة [البقرة:285] وقد بيَّنَّا فيها القنوت مشروحاً [البقرة:116]. ومعنى الآية: وكانت من القانتين، ولذلك لم يقل: من القانتات.