قوله تعالى: { ن } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، وحفص: { نْ والقلم } النون في آخر الهجاء من نون ظاهرة عند الواو، وهذا اختيار الفراء. وروى أبو بكر عن عاصم أنه كان لا يُبين النون من { نون }. وبها قرأ الكسائي، وخلف، ويعقوب، وهو اختيار الزجاج. وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وقتادة، والأعمش: «نونِ والقلم» بكسر النون. وقرأ الحسن، وأبو عمران، وأبو نهيك: «نُ والقلم» برفع النون.
وفي معنى نون سبعة أقوال.
أحدها: أنها الدواة. روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"أول ما خلق الله القلم، ثم خلق النون، وهي الدواة" وهذا قول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير، وبه قال الحسن وقتادة. والثاني: أنه آخر حروف الرحمن، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثالث: أنه الحوت الذي على ظهر الأرض، وهذا المعنى في رواية أبي ظبيان عن ابن عباس، وهو مذهب مجاهد، والسدي، وابن السائب، ومقاتل.
والرابع: أنه لَوْح من نور، قاله معاوية بن قُرَّة.
والخامس: أنه افتتاح اسمه «نصير»، و«ناصر»، قاله عطاء.
والسادس: أنه قَسَم ٌبِنُصْرَةِ الله للمؤمنين، قاله القرظي.
والسابع: أنه نهر في الجنة، قاله جعفر الصادق.
وفي القلم قولان.
أحدهما: أنه الذي كتب به في اللوح المحفوظ.
والثاني: أنه الذي يكتب به الناس. وإنما أقسم به، لأن كتبه إنما تكتب و{ يسطرون } بمعنى: يكتبون. وفي المشار إليهم قولان.
أحدهما: أنهم الملائكة. وفيما أرادوا بما يكتبونه قولان.
أحدهما: أنه الذّكر، قاله مجاهد، والسدي.
والثاني: أعمال بني آدم، قاله مقاتل.
والقول الثاني: أنهم جميع الكَتَبة، حكاه الثعلبي { ما أنت بنعمة ربك بمجنون } أي: ما أنت بِإنْعامِ ربِّك عليك بالإيمان والنُّبوَّة بمجنون. قال الزجاج: هذا جواب قولهم: إنك لمجنون. وتأويله: فارقك الجنون بنعمة الله.
قوله تعالى: { وإِنَّ لك } بصبرك على افترائهم عليك، ونسبتهم إيّاك إلى الجنون { لأجراً غير ممنون } أي: غير مقطوع ولا منقوص، { وإِنك لعلى خلق عظيم } فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: دين الإسلام، قاله ابن عباس.
والثاني: أدب القرآن، قاله الحسن.
والثالث: الطبع الكريم. وحقيقة «الخُلُق»: ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب، فسمي خُلُقاً، لأنه يصير كالخِلْقة في صاحبه. فأما ما طبع عليه فيسمى: «الخِيم» فيكون الخِيم: الطبع الغريزي، والخُلُق: الطبع المُتكلَّف. هذا قول الماوردي. وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خُلُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان خُلُقُه القرآن. تعني: كان على ما أمره الله به في القرآن.
قوله تعالى: { فستبصر ويبصرون } يعني: أهل مكة. وهذا وعيد لهم بالعذاب. والمعنى: سترى ويرون إذا نزل بهم العذاب بِبَدْرٍ { بأيِّكم المفتون } وفيه أربعة أقوال.
أحدها: الضالُّ، قاله الحسن.
والثاني: الشيطان، قاله مجاهد.
والثالث: المجنون، قاله الضحاك.
والمعنى: الذي قد فتن بالجنون.
والرابع: المعذَّب، حكاه الماوردي.
وفي الباء قولان.
أحدهما: أنها زائدة، قاله أبو عبيدة، وابن قتيبة. وأنشدوا:
[نَحْنُ بَنُو جَعْدَةَ أَصْحَابُ الفَلَجْ] نَضْرِبُ بِالسَّيْف وَنَرْجُو بِالْفَرَجْ
والثاني: أنها أصلية، وهذا قول الفراء، والزجاج. قال الزجاج: ليس كونها لغواً بجائز في العربية في قول أحد من أهلها. وفي الكلام قولان للنحويين.
أحدهما: أن «المفتون» هاهنا: الفتون. والمصادر تجيء على المفعول. تقول العرب: ليس هذا معقود رأي، أي: عقد رأي، وتقول: دعه إلى ميسوره، أي: يسره. والمعنى: بأيكم الجنون.
والثاني: بأيكم المفتون بالفرقة التي أنت فيها، أم بفرقة الكفار؟ فيكون المعنى: في أي الفرقتين المجنون. وقد ذكر الفراء نحو ما شرحه الزجاج. وقد قرأ أُبَيُّ بن كعب، وأبو عمران، وابن أبي عبلة: «في أي المفتون». ثم أخبر أنه عالم بالفريقين بما بعد هذا.