التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَاقَّةُ
١
مَا ٱلْحَآقَّةُ
٢
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ
٣
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ
٤
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ
٥
وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ
٦
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ
٧
فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ
٨
وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَٱلْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ
٩
فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً
١٠
إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ
١١
لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ
١٢
-الحاقة

زاد المسير في علم التفسير

{ الحاقة }: القيامة. قال الفراء: إنما قيل لها: حاقة، لأن فيها حواق الأمور. وقال الزجاج: إنما سميت الحاقة، لأنها تحق كل إنسان بعمله من خير وشر.

قوله تعالى: { ما الحاقة؟ } هذا استفهام، معناه التفخيم لشأنها، كما تقول: زيد، وما زيد؟ على التعظيم لشأنه. ثم زاد في التهويل بأمرها، فقال تعالى: { وما أدراك ما الحاقة } أي: لأنك لم تعاينها، ولم تدر ما فيها من الأهوال. ثم أخبر عن المكذِّبين بها، فقال تعالى: { كَذَّبَتْ ثمودُ وعادٌ بالقارعة } قال ابن عباس: القارعة: اسم من أسماء يوم القيامة. قال مقاتل: وإنما سميت بالقارعة، لأن الله تعالى يقرع أعداءه بالعذاب. وقال ابن قتيبة: القارعة: القيامة لأنها تقرع، يقال: أصابتهم قوارع الدهر. وقال الزجاج: لأنها تقرع بالأهوال. وقال غيرهم: لأنها تقرع القلوب بالفزع. فأما { الطاغية } ففيها ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها طغيانهم وكفرهم، قاله ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، قال الزجاج: ومعنى الطاغية عند أهل اللغة: طغيانهم و«فاعلة» قد يأتي بمعنى المصادر، نحو عاقبة، وعافية.

والثاني: بالصيحة الطاغية، قاله قتادة. وذلك أنها جاوزت مقدار الصياح فأهلكتهم.

والثالث: أن الطاغية: عاقر الناقة، قاله ابن زيد. والريح الصرصر قد فسرناها في [حم السجدة:16] والعاتية: التي جاوزت المقدار. وجاء في التفسير أنها عَتَتْ على خُزَّانها يومئذ، فلم يكن لهم عليها سبيل.

قوله تعالى: { سخَّرها عليهم } أرسلها وسلَّطها. والتسخير: استعمال الشيء بالاقتدار. وفي قوله تعالى: { حسوماً } ثلاثة أقوال.

أحدها: تباعاً، قاله ابن عباس. قال الفراء: الحسوم: التِّباع، يقال في الشيء إذا تتابع، فلم ينقطع أوله عن آخره: حسوم. وإِنما أُخِذَ ـ والله أعلم ـ من حَسْمِ الدَّاءِ: إذا كُوي صاحبُه، لأنه يحمى ثم يكوى، ثم يتابع الكي عليه.

والثاني: كاملة، قاله الضحاك. فيكون المعنى: أنها حسمت الليالي والأيام فاستوفتها على الكمال، لأنها ظهرت مع طلوع الشمس، وذهبت مع غروبها. قال مقاتل: هاجت الريح غُدْوَةً، وسكنت بالعَشِيِّ في اليوم الثامن، وقبضت أرواحهم في ذلك اليوم، ثم بعث الله طيراً أسود فالتقطهم حتى ألقاهم في البحر.

والثالث: أنها حسمتهم، فلم تبق منهم أحداً، أي: أذهبتهم وأفنتهم، هذا قول ابن زيد.

قوله تعالى: { فترى القوم فيها } أي: في تلك الليالي والأيام { صرعى } وهو جمع صريع، لأنهم صرعوا بموتهم { كأنهم أعجاز نخل } أي: أصول نخل { خاوية } أي: بالية. وقد بيَّنَّا هذا في سورة [القمر: 20].

قوله تعالى: { فهل ترى لهم من باقية } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: من بقاءٍ، قاله الفراء.

والثاني: من بقية، قاله أبو عبيدة. قال: وهو مصدر كالطاغية.

والثالث: هل ترى لهم من أثر؟ قاله ابن قتيبة { وجاء فرعون ومَن قبله } قرأ أبو عمرو، ويعقوب، والكسائي، وأبان: بكسر القاف، وفتح الباء. والباقون: بفتح القاف، وإسكان الباء. فمن كسر القاف أراد: من يليه ويَحفّ به من جنوده وأتباعه. ومن فتحها أراد: من كان قبله من الأمم الكافرة. وفي «المؤتفكات» ثلاثة أقوال.

أحدها: قرى قوم لوط. والمعنى: وأهل المؤتفكات، قاله الأكثرون.

والثاني: أنهم الذين ائتفكوا بذنوبهم، أي: هلكوا بالذنوب التي معظمها الإفك. وهو الكذب، قاله الزجاج.

والثالث: أنه قارون وقومه، حكاه الماوردي.

قوله تعالى: { بالخاطئة } قال ابن قتيبة: أي: بالذنوب، وقال الزجاج: الخاطئة: الخطأ العظيم { فعصَوْا رسول ربهم } أي: كذَّبوا رسلهم { فأخذهم أخذةً رابيةً } أي: زائدة على الأحداث { إنا لما طغى الماء } أي: تجاوز حدَّه حتى علا على كل شيء في زمن نوح { حملناكم } يعني: حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم { في الجارية } وهي: السفينة التي تجري في الماء { لنجعلها } أي: لنجعل تلك الفَعْلةَ التي فعلنا من إغراق قوم نوح، ونجاة من حملنا معه { تذكرةً } أي: عبرةً، وموعظةً { وتعيها أذن واعية } أي: أُذُنٌ تحفظُ ما سمعَتْ، وتعمل به. وقال الفراء: لتحفظها كل أُذُن، فتكون عظة لمن يأتي بعده.