قوله تعالى: { قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم } وذلك أن القوم كانوا يدّعون أن الله أمرهم بما هم عليه، فلذلك سمَّوه مِلَّةً. { وما يكون لنا أن نعود فيها } أي: في الملة، { إلا أن يشاء الله } أي: إلا أن يكون قد سبق في علم الله ومشيئته أن نعود فيها، { وسع ربُّنا كل شيء علماً } قال ابن عباس: يعلم ما يكون قبل أن يكون.
قوله تعالى: { على الله توكلنا } أي: فيما توعدتمونا به، وفي حراستنا عن الضلال. { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } قال أبو عبيدة: احكم بيننا، وأنشد:
أَلاَ أَبْلِغْ بَنِي عُصْمٍ رَسُوْلاً بأنِّي عَنْ فُتَاحَتِكُمْ غَنِيُّ
قال الفراء: وأهل عُمان يسمون القاضي: الفاتح والفتَّاح. قال الزجاج: وجائز أن يكون المعنى: أظهِر أمرنا حتى ينفتح ما بيننا وينكشف، فجائز أن يكونوا سألوا بهذا نزول العذاب بقومهم ليظهر أن الحق معهم. قوله تعالى: { كأن لم يَغْنَواْ فيها } فيه أربعة أقوال.
أحدها: كأن لم يعيشوا في دارهم، قاله ابن عباس، والأخفش. قال حاتم طيىء:
غَنِيْنَا زَمَاناً بالتَّصَعْلُكِ وَالغِنَى فَكُلاًّ سَقَانَاه بكأْسَيْهِما الدَّهْرُ
فَمَا زَادَنَا بَغْيَاً عَلَى ذِي قَرَابَةٍ غِنَانَا، ولا أزْرَى بأحْسَابِنَا الفَقْرُ
قال الزجاج: معنى غنينا: عشنا. والتصعلك: الفقر، والعرب تقول للفقير: الصعلوك. والثاني: كأن لم يتنعَّموا فيها، قاله قتادة.
والثالث: كأن لم يكونوا فيها، قاله ابن زيد، ومقاتل.
والرابع: كأن لم ينزلوا فيها، قاله الزجاج. قال الأصمعي المغاني: المنازل؛ يقال: غنينا بمكان كذا، أي: نزلنا به. وقال ابن قتيبة: كأن لم يقيموا فيها، ومعنى: غنينا بمكان كذا: أقمنا. قال ابن الأنباري: وإنما كرر قوله: { الذين كذبوا شعيباً } للمبالغة في ذمهم؛ كما تقول أخوك الذي أخذ أموالنا، أخوك الذي شتم أعراضنا.
قوله تعالى: { فتولى عنهم } فيه قولان.
أحدهما: أعرض. والثاني: انصرف. { وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي } قال قتادة: أسمع شعيب قومَه، وأسمع صالح قومَه، كما أسمع نبيكم قومَه يوم بدر؛ يعني: أنه خاطبهم بعد الهلاك. { فكيف آسى } أي: أحزن. وقال ابن اسحاق: أصاب شعيباً على قومه حزنٌ شديد، ثم عاتب نفسه، فقال: كيف آسى على قوم كافرين.