التفاسير

< >
عرض

إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ
١١
-الأنفال

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { إذ يغشاكم النعاسُ أمنة منه } قال الزجاج: { إذ } موضعها نصب على معنى: وما جعله الله إلا بشرى، في ذلك الوقت، ويجوز أن يكون المعنى: اذكروا إذ يغشاكم النعاس. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: «إذ يغشاكم» بفتح الياء وجزم الغين وفتح الشين وألف «النعاسُ» بالرفع. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «يُغَشِّيكم» بضم الياء وفتح الغين مشددة الشين مكسورة «النعاسَ» بالنصب. وقرأ نافع: «يُغْشِيكم» بضم الياء وجزم الغين وكسر الشين «النعاسَ» بالنصب. وقال أبو سليمان الدمشقي: الكلام راجع على قوله: { ولتطمئن به قلوبكم } إذ يغشاكم النعاس. قال الزجاج: و«أمنةَ» منصوب: مفعول له، كقولك: فعلت ذلك حذر الشر. يقال: أمنتُ آمَنُ أمْناً وأماناً وأمَنَةً. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو المتوكل، وأبو العالية، وابن يعْمر، وابن محيصن: { أمْنَةً منه } بسكون الميم.

قوله تعالى: { وينزِّلُ عليكم من السماء ماء } قال ابن عباس: نزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وبينه وبين الماء رملة، وغلبهم المشركون على الماء، فأصاب المسلمينَ الظمأُ، وجعلوا يصلّون محدِثين، وألقى الشيطان في قلوبهم الوسوسة، يقول: تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلُّون محدِثين، فأنزل الله عليهم مطراً، فشربوا وتطَّهروا، واشتد الرمل حين أصابه المطر، وأزال الله رجز الشيطان، وهو وسواسه، حيث قال: قد غلبكم المشركون على الماء. وقال ابن زيد: رجز الشيطان: كيده، حيث أوقع في قلوبهم أنه ليس لكم بهؤلاء القوم طاقة. وقال ابن الأنباري: ساءهم عدم الماء عند فقرهم إليه، فأرسل الله السماء، فزالت وسوسة الشيطان التي تُكسب عذابَ الله وغضبه، إذ الرجز: العذاب.

قوله تعالى: { وليربط على قلوبكم } الربط: الشد. و«على» في قول بعضهم صلة، فالمعنى: وليربط قلوبكم. وفي الذي ربط به قلوبهم وقوَّاها ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه الصبر، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أنه الإيمان، قاله مقاتل.

والثالث: أنه المطر الذي أرسله يثبِّت به قلوبهم بعد اضطرابها بالوسوسة التي تقدم ذكرها.

قوله تعالى: { ويثبت به الأقدام } في هاء «به» قولان.

أحدهما: أنها ترجع إلى الماء؛ فان الأرض كانت رَمِلة، فاشتدت بالمطر، وثبتت عليها الأقدام، قاله ابن عباس، ومجاهد، والسدي في آخرين.

والثاني: انها ترجع إلى الربط، فالمعنى: ويثبت بالربط الأقدام، ذكره الزجاج.