قوله تعالى: { قتل الإنسان } أي: لعن. والمراد بالإنسان هاهنا: الكافر. وفيمن عنى بهذا القول ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه أشار إلى كل كافر، قاله مجاهد.
والثاني: أنه أُمية بن خلف، قاله الضحاك.
والثالث: عتبة بن أبي لهب، قاله مقاتل.
وفي قوله تعالى: { ما أكفره } ثلاثة أقوال.
أحدها: ما أشد كفره، قاله ابن جريج.
والثاني: أي شيء أكفَره؟ قاله السدي. فعلى هذا يكون استفهام توبيخ.
الثالث: أنه على وجه التعجُّب، وهذا التعجب يؤمر به الآدميون والمعنى: اعجبوا أنتم من كفره، قاله الزجاج.
قوله تعالى: { من أيِّ شيءٍ خَلَقَه } ثم فسره فقال تعالى: { من نطفةٍ خَلَقه }، وفي معنى «فقدره» ثلاثة أقوال.
أحدها: قدَّر أعضاءه: رأسه، وعينيه، ويديه، ورجليه، قاله ابن السائب.
والثاني: قدَّره أطواراً: نطفة، ثم علقة، إلى آخر خلقه، قاله مقاتل.
والثالث: فقدره على الاستواء، قاله الزجاج.
{ ثم السبيل يسَّره } فيه قولان.
أحدهما: سهَّل له العلم بطريق الحق والباطل، قاله الحسن، ومجاهد. قال الفراء: والمعنى: ثم يسره للسبيل.
والثاني: يسر له السبيل في خروجه من بطن أمه، قاله السدي، ومقاتل.
قوله تعالى: { فأقبرَه } قال الفراء: أي: جعله مقبوراً، ولم يجعله ممن يلقى للسباع والطير، فكأنَّ القبر مما أُكْرِم به المسلم. ولم يقل: قبره، لأن القابر هو الدافن بيده. والمُقْبِرُ الله، لأنه صيَّره مقبوراً، فليس فعله كفعل الآدمي. والعرب تقول: بَتَرْتُ ذَنَبَ البعير، والله أبتره. وَعضَبْتُ قَرْنَ الثور، والله أَعْضَبَه. وطردتُ فلاناً عني، والله أطرده، أي: صيَّره طريداً. وقال أبو عبيدة: أقبره: أي أمر أن يقبر، وجعل له قبراً. قالت بنو تميم لعمر بن هبيرة لما قتل صالح بن عبد الرحمن: أقبرنا صالحاً، فقال: دونكموه. والذي يدفن بيده هو القابر. قال الأعشى:
لَوْ أَسْنَدَتْ مَيْتاً إلى نَحْرِها عاش وَلَمْ يُسْلَم إلى قَابِرِ
قوله تعالى: { ثم إذا شاء أنشره } أي: بعثه. يقال: أنشر الله الموتى، فَنُشِرُوا، ونَشَر الميِّتُ: حَيِيَ [هو] بِنَفْسه، وواحدهم ناشر. قال الأعشى:
حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ مَمَّا رَأَوْا يَا عَجَبَاً لِلْمَيِّتِ النّاشِرِ
قوله تعالى: { كلا } قال الحسن: حقاً { لمّا يقضِ ما أمره } به ربُّه، ولم يؤدِّ ما فرض عليه. وهل هذا عام، أم خاص؟ فيه قولان.
أحدهما: أنه عام. قال مجاهد: لا يقضي أحد أبداً كُلَّ ما افترض الله عليه.
والثاني: أنه خاص للكافر لم يقض ما أُمِرَ به من الإيمان والطاعة، قاله يحيى بن سلام. ولما ذَكَر خَلْق ابن آدم، ذكر رزقه ليعتبر وليستدلَّ بالنبات على البعث، فقال تعالى: { فلينظر الإنسان إلى طعامه } قال مقاتل: يعني به عتبة بن أبي لهب. ومعنى الكلام: فلينظر الإنسان كيف خلق الله طعامه الذي جعله سبباً لحياته؟ ثم بين فقال تعالى: { أنّا } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر «إنا» بالكسر. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي { أنا صببنا } بفتح الهمزة في الوصل وفي الابتداء، ووافقهم رويس على فتحها في الوصل، فإذا ابتدأ كسر. قال الزجاج: من كسر «إنا» فعلى الابتداء والاستئناف، ومن فتح، فعلى البدل من الطعام، المعنى: فلينظر الإنسان أنا صببنا. قال المفسرون: أراد بصب الماء: المطر. { ثم شققنا الأرض } بالنبات { شقاً فأنبتنا فيها حباً } يعني به جميع الحبوب التي يُتَغَذَّى بها { وعِنَباً وقَضْباً } قال الفراء: هو الرَّطبة. وأهل مكة يسمون القَتَّ: القضب. قال ابن قتيبة: ويقال: إنه سمي بذلك، لأنه يُقْضَبُ مرة بعد مرة، أي: يقطع، وكذلك القَصيل، لأنه يُقْصَلُ، أي يقطع.
قوله تعالى: { وزيتوناً ونخلاً وحدائق غُلْباً } قال الفراء: كل بستان كان عليه حائط، فهو حديقة، وما لم يكن عليه حائط لم يقل: حديقة. والغُلْب: ما غلظ من النخل. قال أبو عبيدة: يقال: شجرة غَلْباء: إذا كانت غليظة. وقال ابن قتيبة: الغُلب: الغِلاظ الأعناق. وقال الزجاج: هي المتكاثفةُ، العظامُ.
قوله تعالى: { وفاكهة } يعني: ألوان الفاكهة { وأبأ } فيه قولان.
أحدهما: أنه ما ترعاه البهائم، قاله ابن عباس، وعكرمة، واللغويون. وقال الزجاج: هو جميع الكلأ التي تعتلفه الماشية.
والثاني: أنه الثمار الرطبة، رواه الوالبي عن ابن عباس.
{ متاعاً لكم ولأنعامكم } قد بَيَّنَّاه في السورة التي قبلها [النازعات: 33].