قوله تعالى: { إذا السماء انفطرت } انفطارها: انشقاقها. و { انتثرت } بمعنى تساقطت. و { فجرت } بمعنى فُتح بعضها في بعض فصارت بحراً واحداً. وقال الحسن: ذهب ماؤها، و{ بُعْثِرَتْ } بمعنى أثيرت. قال ابن قتيبة: قُلِبَتْ فأُخْرِج ما فيها. يقال بَعْثَرْتُ المتاع وبَحْثَرْتُه: إذا جعلتَ أسفله أعلاه.
قوله تعالى: { علمت نفس ما قدَّمت وأخَّرت } هذا جواب الكلام. وقد شرحناه في قوله تعالى
{ { يُنَبَّأُ الإنسان يومئذ بما قدَّم وأخَّر } [القيامة: 13]. قوله تعالى: { يا أيها الإنسان } فيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه عُنِيَ به أبو الأشدين، وكان كافراً، قاله ابن عباس، ومقاتل. وقد ذكرنا اسمه في [المدثر: 30].
والثاني: أنه الوليد بن المغيرة، قاله عطاء.
والثالث: أُبيّ بن خلف، قاله عكرمة.
والرابع: أنه أشار الى كل كافر، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: { ما غَرَّكَ } قال الزجاج: أي: ما خَدَعك وسوَّلَ لك حتى أضعتَ ما وجب عليك؟. وقال غيره: المعنى: ما الذي أمَّنك من عقابه وهو كريم متجاوز إذْ لم يعاقبك عاجلاً؟ وقيل للفضيل بن عياض: لو أقامك الله سبحانه يوم القيامة، وقال: ما غرَّك بربك الكريم، ماذا كنت تقول؟ قال: أقول: غرني سُتورك المرخاة. وقال يحيى بن معاذ: لو قال لي: ما غرك بي؟ قلت: بِرُّك سالفاً وآنفاً. قيل: لما ذكر الصفة التي هي الكرم هاهنا دون سائر صفاته، كان كأنه لقَّن عبده الجواب، ليقول: غَرَّني كرم الكريم.
قوله تعالى: { الذي خلقك } ولم تك شيئاً { فسوَّاك } إنساناً تسمع وتبصر { فَعَدلك } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر «فعدَّلك» بالتشديد. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي «فَعَدَلك» بالتخفيف. قال الفراء: من قرأ بالتخفيف، فوجهه ـ والله أعلم ـ فصوَّرك إلى أي صورة شاء، إما حَسَن، وإما قبيح، وإما طويل، وإما قصير. وقيل: في صورة أب، في صورة عم، في صورة بعض القرابات تشبيها. ومن قرأ بالتشديد، فإنه أراد ـ والله أعلم-: جعلك معتدلاً، معدَّل الخلقة. وقال غيره: عدَّل أعضاءك فلم تفضل يد على يد، ولا رِجل على رجل، وعدل بك أن يجعلك حيواناً بهيماً.
قوله تعالى: { في أي صورة ما شاء ركَّبك } قال الزجاج: يجوز أن تكون «ما» زائدة. ويجوز أن تكون بمعنى الشرط والجزاء، فيكون المعنى: في أي صورة ما شاء أن يركِّبك فيها ركبك. وفي معنى الآية أربعة أقوال.
أحدها: في أي صورة من صور القرابات ركَّبك، وهو معنى قول مجاهد.
والثاني: في أي صورة، من حسن، أو قبح، أو طول، أو قصر، أو ذَكَر، أو أنثى، وهو معنى قول الفراء.
والثالث: إن شاء أن يركِّبك في غير صورة الإنسان ركبك، قاله مقاتل. وقال عكرمة: إن شاء في صورة قرد، وإن شاء في صورة خنزير.
والرابع: إن شاء في صورة إنسان بأفعال الخير. وإن شاء في صورة حمار بالبلادة والبله، وإن شاء في صورة كلب بالبخل، أو خنزير بالشره، ذكره الثعلبي.
قوله تعالى: { بل تكذِّبون بالدِّين } وقرأ أبو جعفر «بالياء» أي: بالجزاء والحساب، تزعمون أنه غير كائن. ثم أعلمهم أن أعمالهم محفوظة، فقال تعالى { وإن عليكم لحافظين } أي: من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم { كراماً } على ربِّهم { كاتبين } يكتبون أعمالكم { يعلمون ما تفعلون } من خير وشر، فيكتبونه عليكم.
قوله تعالى: { إن الأبرار لفي نعيم } وذلك في الآخرة إذا دخلوا الجنة { وإن الفجار } وفيهم قولان.
أحدهما: أنهم المشركون.
والثاني: الظَّلَمة. ونقل عن سليمان بن عبد الملك أنه قال لأبي حازم: يا ليت شعري ما لنا عند الله؟ فقال له: اعرض عملك على كتاب الله، فإنك تعلم ما لك عنده، فقال: وأين أجده؟ قال: عند قوله تعالى: { إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم } قال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال: قريب من المحسنين.
قوله تعالى: { يصلونها } يعني: يدخلون الجحيم مقاسين حرَّها { يوم الدِّين } أي: يوم الجزاء على الأعمال { وما هم عنها } أي: عن الجحيم { بغائبين } وهذا يدل على تخليد الكفار. وأجاز بعض العلماء أن تكون «عنها» كناية عن القيامة، فتكون فائدة الكلام تحقيق البعث. ويشتمل هذا على الأبرار والفجار. ثم عظَّم ذلك اليوم بقوله تعالى: { وما أدراك ما يوم الدِّين } ثم كرَّر ذلك تفخيماً لشأنه، وكان ابن السائب يقول: الخطاب بهذا للإنسان الكافر، لا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: { يوم لا تملك نفس لنفس } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو «يوم» بالرفع والباقون بالفتح. قال الزجاج: من رفع «اليوم»، فعلى أنه صفة لقوله تعالى: «يوم الدين». ويجوز أن يكون رفعه بإضمار «هو»، ونصبه على معنى: هذه الأشياء المذكورة تكون { يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً } قال المفسرون: ومعنى الآية أنه لا يملك الأمرَ أحدٌ إلا الله، ولم يملِّك أحداً من الخلق شيئاً كما ملَّكهم في الدنيا. وكان مقاتل يقول: لا تملك نفس لنفسٍ كافرةٍ شيئاً من المنفعة. والقول على الإطلاق أصح، لأن مقاتلاً فيما أحسب خاف نفي شفاعة المؤمنين. والشفاعة إنما تكون عن أمر الله وتمليكه.