التفاسير

< >
عرض

إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ
١
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ
٢
وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ
٣
وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ
٤
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ
٥
يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ
٦
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ
٧
فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً
٨
وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً
٩
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ
١٠
فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً
١١
وَيَصْلَىٰ سَعِيراً
١٢
إِنَّهُ كَانَ فِيۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً
١٣
إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ
١٤
-الانشقاق

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { إذا السماء انشقت } قال المفسرون: انشقاقها من علامات الساعة. وقد ذكر ذلك في مواضع من القرآن. [الفرقان:225، الرحمن:37، الحاقة:16] { وأَذِنَتْ لربها } أي: استمعت وأطاعت في الانشقاق، من الأذن، وهو الاستماع للشيء والإصغاء إليه، وأنشدوا:

صُمٌّ إذا سَمِعُوا خيراً ذُكِرْتُ بِهِ فَإنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُم أَذِنُوا

{ وحُقَّتْ } أي: حقَّ لها أن تُطيع ربَّها الذي خلقها { وإذا الأرض مُدَّتْ } قال ابن عباس: تُمَدُّ مَدَّ الأديم، ويزاد في سَعَتها، وقال مقاتل: لا يبقى جبل ولا بناءٌ إلا دخل فيها.

قوله تعالى: { وأَلْقَتْ ما فيها من الموتى } والكنوز { وتخلَّتْ } أي: خلت من ذلك، فلم يبق في باطنها شيء. واختلفوا في جواب هذه الأشياء المذكورات على أربعة أقوال.

أحدها: أنه متروك، لأن المعنى معروف قد تردَّد في القرآن.

والثاني: أنه { يا أيها الإنسان } كقول القائل، إذا كان كذا وكذا فيا أيها الناس تَرَوْن ما عملتم، فيجعل: { يا أيها الإنسان } هو الجواب، وتضمر فيه الفاء، كأن المعنى: يرى الثواب والعقاب إذا السماء انشقت، وذكر القولين الفراء.

والثالث: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، تقديره «يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه إذا السماء انشقت» قاله المبرد.

والرابع: أن الجواب مدلول عليه بقوله تعالى «فملاقيه». فالمعنى: إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان عمله، قاله الزجاج.

قوله تعالى: { إنك كادح إلى ربك كدحاً } فيه قولان.

أحدهما: إنك عامل لربك عملاً، قاله ابن عباس.

والثاني: ساعٍ إلى ربك سَعْياً، قاله مقاتل. قال الزجاج: و «الكدح» في اللغة: السعي، والدأب في العمل في باب الدنيا والآخرة. قال تميم بن مقبل:

وَمَا الدَّهْرُ إلاَّ تَارَتَانِ فمِنْهما أَمُوت وأُخرى أَبْتَغي العَيْشَ أَكْدَحُ

وفي قوله تعالى { إلى ربك } قولان.

أحدهما: عامل لربك، وقد ذكرناه عن ابن عباس.

والثاني: إلى لقاء ربك، قاله ابن قتيبة. وفي قوله تعالى: { فملاقيه } قولان.

أحدهما: فملاقٍ عَمَلَكَ.

والثاني: فملاقٍ ربَّك، كما ذكرهما الزجاج.

قوله تعالى: { فسوف يحاسَب حساباً يسيراً } وهو أن تعرض عليه سيئاته، ثم يغفرها الله له. وفي «الصحيحين» من حديث عائشة، قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نوقش الحساب هلك، فقلت: يا رسول الله، فإن الله يقول: فسوف يحاسب حساباً يسيراً قال: ذلك العرض" .

قوله تعالى: { وينقلب إلى أهله } يعني: في الجنة من الحور العين والآدميات { مسروراً } بما أُوتي من الكرامة { وأما من أُوتي كتابه وراء ظهره } قال المفسرون: تُغَلُّ يده اليمنى إلى عنقه، وتجعل يده اليسرى وراء ظهره { فسوف يدعو ثبوراً } قال الزجاج: يقول: يا ويلاه، يا ثبوراه، وهذا يقوله كلُّ من وقع في هلكة.

قوله تعالى: { ويصلى سعيراً } قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والكسائي، «ويُصُلَّى» بضم الياء، وتشديد اللام. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة «ويصلى» بفتح الياء خفيفة، إلا أن حمزة والكسائي يميلانها. وقد شرحناه في سورة [النساء: 11].

قوله تعالى: { إنه كان في أهله } يعني في الدنيا { مسروراً } باتباع هواه، وركوب شهواته. { إنه ظن أن لن يحور } أي: لن يرجع إلى الآخرة، ولن يبعث وهذه صفة الكافر. قال اللغويون: الحور في اللغة: الرجوع، وأنشدوا للبيد:

وَمَا المرْء إِلا كالشِّهَابِ وَضَوْئِهِ يَحُورُ رَمَاداً بَعْدَ إذْ هُوَ سَاطِعُ