قوله تعالى: {إذا السماء انشقت} قال المفسرون: انشقاقها من علامات الساعة. وقد ذكر ذلك في مواضع من القرآن. [الفرقان:225، الرحمن:37، الحاقة:16] {وأَذِنَتْ لربها} أي: استمعت وأطاعت في الانشقاق، من الأذن، وهو الاستماع للشيء والإصغاء إليه، وأنشدوا:
صُمٌّ إذا سَمِعُوا خيراً ذُكِرْتُ بِهِ فَإنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُم أَذِنُوا
{وحُقَّتْ} أي: حقَّ لها أن تُطيع ربَّها الذي خلقها {وإذا الأرض مُدَّتْ} قال ابن عباس: تُمَدُّ مَدَّ الأديم، ويزاد في سَعَتها، وقال مقاتل: لا يبقى جبل ولا بناءٌ إلا دخل فيها. قوله تعالى: {وأَلْقَتْ ما فيها من الموتى} والكنوز {وتخلَّتْ} أي: خلت من ذلك، فلم يبق في باطنها شيء. واختلفوا في جواب هذه الأشياء المذكورات على أربعة أقوال.
أحدها: أنه متروك، لأن المعنى معروف قد تردَّد في القرآن.
والثاني: أنه {يا أيها الإنسان} كقول القائل، إذا كان كذا وكذا فيا أيها الناس تَرَوْن ما عملتم، فيجعل: {يا أيها الإنسان} هو الجواب، وتضمر فيه الفاء، كأن المعنى: يرى الثواب والعقاب إذا السماء انشقت، وذكر القولين الفراء.
والثالث: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، تقديره «يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه إذا السماء انشقت» قاله المبرد.
والرابع: أن الجواب مدلول عليه بقوله تعالى «فملاقيه». فالمعنى: إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان عمله، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {إنك كادح إلى ربك كدحاً} فيه قولان.
أحدهما: إنك عامل لربك عملاً، قاله ابن عباس.
والثاني: ساعٍ إلى ربك سَعْياً، قاله مقاتل. قال الزجاج: و «الكدح» في اللغة: السعي، والدأب في العمل في باب الدنيا والآخرة. قال تميم بن مقبل:
وَمَا الدَّهْرُ إلاَّ تَارَتَانِ فمِنْهما أَمُوت وأُخرى أَبْتَغي العَيْشَ أَكْدَحُ
وفي قوله تعالى {إلى ربك} قولان. أحدهما: عامل لربك، وقد ذكرناه عن ابن عباس.
والثاني: إلى لقاء ربك، قاله ابن قتيبة. وفي قوله تعالى: {فملاقيه} قولان.
أحدهما: فملاقٍ عَمَلَكَ.
والثاني: فملاقٍ ربَّك، كما ذكرهما الزجاج.
قوله تعالى: {فسوف يحاسَب حساباً يسيراً} وهو أن تعرض عليه سيئاته، ثم يغفرها الله له. وفي «الصحيحين» من حديث عائشة، قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من نوقش الحساب هلك، فقلت: يا رسول الله، فإن الله يقول: فسوف يحاسب حساباً يسيراً قال: ذلك العرض" . قوله تعالى: {وينقلب إلى أهله} يعني: في الجنة من الحور العين والآدميات {مسروراً} بما أُوتي من الكرامة {وأما من أُوتي كتابه وراء ظهره} قال المفسرون: تُغَلُّ يده اليمنى إلى عنقه، وتجعل يده اليسرى وراء ظهره {فسوف يدعو ثبوراً} قال الزجاج: يقول: يا ويلاه، يا ثبوراه، وهذا يقوله كلُّ من وقع في هلكة.
قوله تعالى: {ويصلى سعيراً} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والكسائي، «ويُصُلَّى» بضم الياء، وتشديد اللام. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة «ويصلى» بفتح الياء خفيفة، إلا أن حمزة والكسائي يميلانها. وقد شرحناه في سورة [النساء: 11].
قوله تعالى: {إنه كان في أهله} يعني في الدنيا {مسروراً} باتباع هواه، وركوب شهواته. {إنه ظن أن لن يحور} أي: لن يرجع إلى الآخرة، ولن يبعث وهذه صفة الكافر. قال اللغويون: الحور في اللغة: الرجوع، وأنشدوا للبيد:
وَمَا المرْء إِلا كالشِّهَابِ وَضَوْئِهِ يَحُورُ رَمَاداً بَعْدَ إذْ هُوَ سَاطِعُ