وفي معنى { سبح } خمسة أقوال.
أحدها: قل سبحان ربي الأعلى، قاله الجمهور.
والثاني: عَظِّم.
والثالث: صَلِّ بأمر ربك، روي القولان عن ابن عباس.
والرابع: نَزِّه ربك عن السوء، قاله الزجاج.
والخامس: نَزِّه اسم ربك وذكرك إياه أن تذكره وأنت معظم له، خاشع له، ذكره الثعلبي.
وفي قوله تعالى: { اسم ربك } قولان.
أحدهما: أن ذكر الاسم صلة، كقول لبَيد بن ربيعة:
إلى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُما وَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كاملاً فَقَد اعْتَذَرْ
والثاني: أنه أصلي. وقال الفراء: [سبح ربك، و] سبح اسم ربك سواء في كلام العرب. قوله تعالى: { الذي خلق فسوَّى } أي: فعدَّل الخلق. وقد أشرنا إلى هذا المعنى في [الإنفطار:7] { والذي قَدّر } قرأ الكسائي وحده «قَدَر» بالتخفيف { فهدى } فيه سبعة أقوال.
أحدها: قدَّر الشقاوة والسعادة، وهدى للرشد والضلالة، قاله مجاهد.
والثاني: جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها إليه، قاله عطاء.
والثالث: قَدَّر مدة الجنين في الرحم ثم هداه للخروج، قاله السدي.
والرابع: قَدَّرهم ذكوراً وإناثاً، وهدى الذكر لإتيان الأنثى، قاله مقاتل.
والخامس: أن المعنى: قدَّر فهدى وأضل، فحذف «وأضل»، لأن في الكلام دليلاً على ذلك، حكاه الزجاج.
والسادس: قَدَّر الأرزاق، وهدى إلى طلبها.
والسابع: قَدَّر الذنوب، وهدى إلى التوبة، حكاهما الثعلبي.
قوله تعالى: { والذي أخرج المرعى } أي: أنبت العشب، وما ترعاه البهائم { فجعله } بعد الخضرة { غُثَاءً } قال الزجاج، أي: جفَّفه حتى جعله هشيماً جافاً كالغثاء الذي تراه فوق ماء السيل. وقد بينا هذا في سورة [المؤمنين:41] فأما قوله تعالى: { أحوى } فقال الفراء: الأحوى: الذي قد اسود عن القِدَم، والعتق، ويكون أيضاً: أخرج المرعى أحوى: أسود من الخضرة، فجعله غثاءً كما قال تعالى:
{ مدهامتان } } [الرحمن:64]. قوله تعالى: { سنقرئك فلا تنسى } قال مقاتل: سنعلِّمك القرآن، ونجمعه في قلبك فلا تنساه أبداً.
قوله تعالى: { إلا ما شاء الله } فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: إلا ما شاء الله أن ينسخه فتنساه، قاله الحسن، وقتادة.
والثاني: إلا ما شاء الله أن تنسى شيئاً، فإنما هو كقوله تعالى:
{ { خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إِلا ما شاء ربك } [هود:107] فلا يشاء. قوله تعالى: { إنه يعلم الجهر } من القول والفعل { وما يخفى } منهما { ونيسِّرك لليسرى } أي: نُسهِّل عليك عمل الخير { فذكِّر } أي: عظ أهل مكة { إن نفعت الذكرى } وفي «إن» ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها الشرطية، وفي معنى الكلام قولان،
أحدهما: إن قُبِلَتْ الذكرى، قاله يحيى ابن سلام.
والثاني: إن نفعت وإن لم تنفع، قاله علي بن أحمد النيسابوري.
والثاني: أنها بمعنى «قد» فتقديره: قد نفعت الذكرى، قاله مقاتل.
والثالث: أنها بمعنى «ما» فتقديره: فذكر ما نفعت الذكرى، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: { سيذكَّر } سيتعظ بالقرآن { من يخشى ويتجنبها } ويتجنب الذكرى { الأشقى الذي يصلى النار الكبرى } أي: العظيمة الفظيعة لأنها أشد من نار الدنيا { ثم لا يموت فيها } فيستريح { ولا يحيى } حياة تنفعه. وقال ابن جرير: تصير نفس أحدهم في حلقه، فلا تخرج فتفارقه فيموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا.