التفاسير

< >
عرض

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ
١
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ
٢
عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ
٣
تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً
٤
تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ
٥
لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ
٦
لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ
٧
-الغاشية

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { هل أتاك } أي: قد أتاك، قاله قطرب. وقال الزجاج: والمعنى: هذا لم يكن من علمك ولا من علم قومك.

وفي «الغاشية» قولان.

أحدهما: أنها القيامة تغشى الناس بالأهوال، قاله ابن عباس، والضحاك، وابن قتيبة.

والثاني: أنها النار تغشى وجوه الكفار، قاله سعيد بن جبير، والقرظي، ومقاتل.

قوله تعالى: { وجوه يومئذ خاشعة } أي: ذليلة وفيها قولان.

أحدهما: أنها وجوه اليهود والنصارى، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه جميع الكفار، قاله يحيى بن سلام.

قوله تعالى: { عاملة ناصبة } فيه أربعة أقوال.

أحدها: أنهم الذين عملوا ونصبوا في الدنيا على غير دين الإسلام، كعبدة الأوثان، وكفَّار أهل الكتاب، مثل الرهبان وغيرهم، رواه عطاء عن ابن عباس.

والثاني: أنهم الرهبان، وأصحاب الصوامع، رواه أبو الضحى عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، وزيد بن أسلم.

والثالث: عاملة ناصبة في النار بمعالجة السلاسل والأغلال، لأنها [لم] تعمل لله في الدنيا، فأعملها وأنصبها في النار، وروى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن. وقال قتادة: تكبَّرت في الدنيا عن طاعة الله، فأعملها وأنصبها في النار بالانتقال من عذاب إلى عذاب. قال الضحاك: يُكلِّفون ارتقاء جبل في النار. وقال ابن السائب: يَخِرُّون على وجوههم في النار. وقال مقاتل: عاملة في النار تأكل من النار، ناصبة للعذاب.

والرابع: عاملة في الدنيا بالمعاصي ناصبة في النار يوم القيامة، قاله عكرمة، والسدي. والكلام هاهنا على الوجوه، والمراد أصحابها. وقد بينا معنى «النصب» في قوله تعالى: { { لا يمسهم فيها نصب } [الحجر:48].

قوله تعالى: { تصلى ناراً حامية } قرأ أهل البصرة وعاصم إلا حفصاً «تُصْلَى» بضم التاء. والباقون بفتحها. قال ابن عباس: قد حميت فهي تتلظى على أعداء الله، { تسقى من عين آنية }، أي: متناهية في الحرارة. قال الحسن: وقد [أوقدت] عليها جهنم منذ خلقت، فدفعوا إليها [وِرْداً] عطاشاً.

قوله تعالى: { ليس لهم طعام إلا من ضريع } فيه ستة أقوال.

أحدها: أنه نبت ذو شوك لا طىءٍ بالأرض، وتسميه قريش «الشِّبْرِق» فإذا هاج سموه: ضريعاً، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة.

والثاني: أنه شجر من نار، رواه الوالبي عن ابن عباس.

والثالث: أنها الحجارة، قاله ابن جبير.

والرابع: أنه السَّلَم، قاله أبو الجوزاء.

والخامس: أنه في الدنيا: الشوك اليابس الذي ليس له ورق، وهو في الآخرة شوك من نار، قاله ابن زيد.

والسادس: أنه طعام يضرعون إلى الله تعالى منه، قاله ابن كيسان.

قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية قال المشركون: إن إبلنا لتسمن على الضريع، فأنزل الله تعالى { لا يسمن ولا يغني من جوع } وكُذِّبوا، فإن الإبل إنما ترعاه ما دام رطباً، وحينئذ يسمَّى شِبْرِقاً، لا ضريعاً، فإذا يبس يسمى: ضريعاً لم يأكله شيء.

فإن قيل: إنه قد أخبر في هذه الآية: «ليس لهم طعام إلا من ضريع» وفي مكان آخر { { ولا طعامٌ إلا من غسلين } [الحاقة: 36] فكيف الجمع بينهما؟.

فالجواب: أن النار دركات، وعلى قدر الذنوب تقع العقوبات، فمنهم من طَعامُهُ الزَّقُّوم، [ومنهم] مَنْ طعامه غِسْلين، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم مَنْ شَرَابُهُ الصَّديد. قاله ابن قتيبة.