قوله تعالى: { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم } سبب نزولها
"أن الأنصار لما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وكانوا سبعين رجلاً، قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك، ما شئت، فقال:أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم،قالوا فاذا فعلنا ذلك، فما لنا؟ قال: الجنة قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت { إن الله اشترى... } الآية" ، قاله محمد بن كعب القرظي فأما اشتراء النفس، فبالجهاد. وفي اشتراء الأموال وجهان. أحدهما: بالإِنفاق في الجهاد. والثاني: بالصدقات. وذِكْرُ الشراء هاهنا مجاز، لأن المشتري حقيقة هو الذي لا يملك المشترى، فهو كقوله:
{ { من ذا الذي يُقرض الله } [البقرة: 245] والمراد من الكلام أن الله أمرهم بالجهاد بأنفسهم وأموالهم ليجازيهم عن ذلك بالجنة، فعبَّر عنه بالشراء لِما تضمن من عوض ومعوض. وكان الحسن يقول: لا والله، إنْ في الدنيا مؤمن إلا وقد أُخذت بيعته. وقال قتادة: ثامَنَهم والله فأغلى لهم. قوله تعالى: { فيَقتُلون ويُقتَلون } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم «فيَقتلون ويُقتَلون» فاعل ومفعول. وقرأ حمزة، والكسائي «فيُقتلون ويَقتُلون» مفعول وفاعل. قال أبو علي: القراءة الأولى بمعنى أنهم يَقتُلون أولاً ويُقتلون، والأخرى يجوز أن تكون في المعنى كالأولى، لأن المعطوف بالواو يجوز أن يراد به التقديم؛ فان لم يقدَّر فيه التقديم، فالمعنى: يقتُل من بقي منهم بعد قتل من قُتل، كما أن قوله:
{ { فما وهنوا لما أصابهم } [آل عمران: 146] ما وهن من بقي بِقَتْلِ من قُتل. ومعنى الكلام: إن الجنة عوض عن جهادهم، قَتَلوا أو قُتلوا. { وعداً عليه } قال الزجاج: نصب «وعداً» بالمعنى، لأن معنى قوله { بأن لهم الجنة }: { وعداً عليه حقاً }، قال: وقوله: { في التوراة والإِنجيل } يدل على أن أهل كل ملة أُمروا بالقتال ووُعدوا عليه الجنة. قوله تعالى: { ومن أوفى } أي: لا أحد أوفى بما وعد { من الله } { فاستبشروا } أي: فافرحوا بهذا البيع.