التفاسير

< >
عرض

وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا
١
وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا
٢
وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا
٣
وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا
٤
وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا
٥
وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا
٦
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا
٧
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
٨
قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا
٩
وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا
١٠
-الشمس

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { والشمس وضحاها } في المراد «بضحاها» ثلاثة أقوال.

أحدها: ضوؤها، قاله مجاهد، والزجاج. والضحى: حين يصفو ضَوْءُ الشمس بعد طلوعها.

والثاني: النهار كلُّه، قاله قتادة، وابن قتيبة.

والثالث: حَرُّها، قاله السدي، ومقاتل: { والقمر إذا تلاها } فيه قولان.

أحدهما: إذا تَبِعهَا، قاله ابن عباس في آخرين. ثم في وقت اتباعه لها ثلاثة أقوال.

أحدهما: أنه في أول ليلة من الشهر يرى القمر إذا سقطت الشمس، قاله قتادة.

والثاني: أنه في الخامس عشر يطلع القمر مع غروب الشمس، حكاه الماوردي.

والثالث: أنه في النصف الأول من الشهر إذا غربت تلاها القمر في الإضاءة، وخَلَفها في النور، حكاه علي بن أحمد النيسابوري.

والقول الثاني: إذا ساواها، قاله مجاهد. وقال غيره: إذا استدار، فتلا الشمس في الضياء والنور، وذلك في الليالي البيض.

قوله تعالى: { والنهار إذا جَلاَّها } في المكنى عنها قولان.

أحدهما: أنها الشمس، قاله مجاهد، فيكون المعنى: والنهار إذا بَيَّن الشمس، لأنها تتبيَّن إذا انبسط النهار.

والثاني: أنها الظلمة، فيكون كناية عن غير مذكور، لأن المعنى معروف، كما تقول: أصبحت باردة، وهبت شمالاً، وهذا قول الفراء، واللغويين.

{ والليل إذا يغشاها } أي: يغشى الشمس حين تغيب فتظلم الآفاق.

قوله تعالى: { والسماء وما بناها } في «ما» قولان.

أحدهما: بمعنى «مَن» تقديره «ومن بناها» قاله الحسن، ومجاهد، وأبو عبيدة، وبعضهم يجعلها بمعنى الذي.

والثاني: أنها بمعنى المصدر، تقديره: وبنائها، وهذا مذهب قتادة، والزجاج. وكذلك القول في «وما طحاها» «وما سَّواها» وقد قرأ أبو عمران الجوني في آخرين «ومن بناها» «ومن طحاها» «ومن سوَّاها» كله بالنون. قال أبو عبيدة: ومعنى «طحاها»: بسطها يميناً وشمالاً، ومن كل جانب. قال ابن قتيبة: يقال: خَيْرٌ طَاحٍ، أي كثير متّسع.

وفي المراد «بالنفس» ها هنا قولان:

أحدهما: آدم، قاله الحسن.

والثاني: جميع النفوس، قاله عطاء. وقد ذكرنا معنى «سوَّاها» في قوله تعالى: { { فسوَّاك فعدلك } [الانفطار:7] { فألهمها فجورها وتقواها } الإلهام: إيقاع الشيء في النفس. قال سعيد بن جبير: ألزمها فجورها وتقواها. وقال ابن زيد: جعل ذلك فيها بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إياها للفجور.

قوله تعالى: { قد أفلح من زكاها } قال الزجاج: هذا جواب القسم. والمعنى: لقد أفلح، ولكن اللام حذفت لأن الكلام طال، فصار طوله عوضاً منها. قال ابن الأنباري: جوابه محذوف. وفي معنى الكلام قولان.

أحدهما: قد أفلحت نفس زكاها الله عز وجل، قاله ابن عباس، ومقاتل، والفراء، والزجاج.

والثاني: قد أفلح من زكّى نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال، قاله قتادة، وابن قتيبة. ومعنى «زكاها»: أصلحها وطهرها من الذنوب { وقد خاب من دساها } فيه قولان كالذي قبله.

فإن قلنا: إن الفعل لله، فمعنى «دساها» خذلها، وأخملها، وأخفى محلها، [بالكفر والمعصية] ولم يشهرها بالطاعة والعمل الصالح.

وإن قلنا: الفعل للإنسان، فمعنى «دساها» أخفاها بالفجور. قال الفراء: ويروى أن «دَسَّاها» دَسَّسَهَا لأن البخيل يخفي منزله وماله. وقال ابن قتيبة: المعنى: دسى نفسه، أي: أخفاها بالفجور والمعصية. والأصل من دَسَّسَتُ، فقلبت السين ياءً، كما قالوا: قصَّيت أظفاري، أي: قصصتها. فكأن النَّطِفَ بارتكاب الفواحش دس نفسه، وقمعها، ومُصْطَنِعُ المعروف شهر نفسه ورفعها، وكانت أجواد العرب تنزل الرُّبا للشهرة. واللئام تنزل الأطراف لتخفي أماكنها. وقال الزجاج: معنى «دساها» جعلها قليلة خسيسة.