قوله تعالى: { إن علينا للْهُدى } قال الزجاج: المعنى: إن علينا أن نبيِّن طريق الهدى من طريق الضلالة { وإنَّ لنا للآخرة والأولى } أي: فليطلبا منا { فأنذرتكم ناراً تلظى } أي: تَوقَّد وتتوهَّج { لا يصلاها إلا الأشقى } يعني: المشرك { الذي كذب } الرسول { وتولى } عن الإيمان. قال أبو عبيدة: { الأشقى } بمعنى الشقيّ. والعرب تضع «أَفْعَلَ» في موضع «فاعل». قال طرفة:
تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ فَتِلْكَ سَبِيلٌ لِسْتُ فيها بِأَوْحَدِ
قال الزجاج: وهذه الآية التي من أجلها زعم أهل الإرجاء أنه لا يدخل النار إلا كافر، وليس [الأمر] كما ظنوا. هذه نار موصوفة بعينها، ولأهل النار منازل. فلو كان [كل] من لا يشرك لا يعذَّب لم يكن في قوله تعالى: { { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [النساء: 48] فائدة [وكان «ويغفر ما دون ذلك» كلاماً لا معنى له]. قوله تعالى: { وسيجنَّبُها } أي: يُبْعَدُ عنها، فيجعل منها على جانب { الأتقى } يعني: أبا بكر الصديق في قول جميع المفسرين { الذي يؤتي ماله يتزكَّى } أي: يطلب أن يكون عنه الله زاكيا، ولا يطلب الرياء، ولا السمعة، { وما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تجزى } أي: لم يفعل ذلك مجازاة ليد أُسْدِيَتْ إليه.
وروى عطاء عن ابن عباس أن أبا بكر لما اشترى بلالاً بعد أن كان يعذَّب قال المشركون: ما فعل أبو بكر ذلك إلا ليدٍ كانت لبلال عنده، فأنزل الله تعالى: { وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى }. أي: إلا طلباً لثواب ربه. قال الفراء: و «إلا» بمعنى «لكن» ونصب «ابتغاءَ» على إضمار إنفاقه. فالمعنى: وما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه.
قوله تعالى: { ولسوف يرضى } أي: بما يُعطَى في الجنة من الثواب.