التفاسير

< >
عرض

فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ
٩٢
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
٩٣
فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ
٩٤
-يونس

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ فَٱلْيَوْمَ نُنَجّيكَ } نلقيك بنجوة من الأرض فرماه الماء إلى الساحل كأنه ثور { بِبَدَنِكَ } في موضع الحال أي الحال التي لا روح فيك وإنما أنت بدن أو ببدنك كاملاً سوياً لم ينقص منه شيء ولم يتغير، أو عرياناً لست إلا بدنا من غير لباس، أو بدرعك وكانت له درع من ذهب يعرف بها. وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه { بأبدانك } وهو مثل قولهم هو«بأجرامه» أي ببدنك كله وافياً بأجزائه، أو بدروعك لأنه ظاهر بينها { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً } لمن وراءك من الناس علامة وهم بنو إسرائيل، وكان في أنفسهم أن فرعون أعظم شأناً من أن يغرق. وقيل: أخبرهم موسى بهلاكه فلم يصدقوه فألقاه الله على الساحل حتى عاينوه. وقيل:{ لمن خلفك } لمن يأتي بعدك من القرون ومعنى كونه آية أن يظهر للناس عبوديته وأن ما كان يدعيه من الربوبية محال، وأنه مع ما كان عليه من عظم الملك آل أمره إلى ما ترون لعصيانه ربه فما الظن بغيره { وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون ولقد بوأنا بني اسرائيل مبوأ صدق } منزلاً صالحاً مرضياً وهو مصر والشام { وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ } في دينهم { حَتَّىٰ جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ } أي التوراة وهم اختلفوا في تأويلها كما اختلف أمة محمد صلى الله عليه وسلم في تأويل الآيات من القرآن أو المراد العلم بمحمد واختلاف بني إسرائيل وهم أهل الكتاب اختلافهم في صفته أنه هو أم ليس هو بعد ما جاءهم العلم أنه هو { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } يميز الحق من المبطل ويجزي كلا جزاءه.

{ فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءونَ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكَ } لما قدم ذكر بني إسرائيل - وهم قراء الكتاب - ووصفهم بأن العلم قد جاءهم لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب في التوراة والإنجيل وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، أراد أن يؤكد علمهم بصحة القرآن وبصحة نبوته صلى الله عليه وسلم ويبالغ في ذلك فقال: فإن وقع لك شك ــ فرضاً وتقديراً، وسبيل من خالجته شبهة أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى قوانين الدين وأدلته أو بمباحثة العلماء ــ فسل علماء أهل الكتاب فإنهم من الإحاطة بصحة ما أنزل إليك بحيث يصلحون لمراجعة مثلك فضلاً عن غيرك. فالمراد وصف الأحبار بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشك فيه ثم قال: { لَقَدْ جَاءكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكَ } أي ثبت عندك بالآيات الواضحة والبراهين اللائحة أن ما أتاك هو الحق الذي لا مجال فيه للشك { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } الشاكين ولا وقف عليه للعطف.