التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ
١
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ
٢
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ
٣
تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ
٤
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ
٥
-الفيل

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

مكية وهي خمس آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ } { كَيْفَ } في موضع نصب بـ { فِعْلَ } لا بـ { أَلَمْ تَرَ } لما في { كَيْفَ } من معنى الاستفهام، والجملة سدت مسد مفعولي { تَرَ }وفي { أَلَمْ تَرَ } تعجيب أي عجّب الله نبيه من كفر العرب وقد شاهدت هذه العظمة من آيات الله، والمعنى إنك رأيت آثار صنع الله بالحبشة وسمعت الأخبار به متواتراً فقامت لك مقام المشاهدة { بِأَصْحَـٰبِ ٱلْفِيلِ } روي أن أبرهة ابن الصباح ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي، بنى كنيسة بصنعاء وسماها القليس، وأراد أن يصرف إليها الحاج فخرج رجل من كنانة فقعد فيها ليلاً فأغضبه ذلك. وقيل: أججت رفقة من العرب ناراً فحملتها الريح فأحرقتها فحلف ليهدمن الكعبه، فخرج بالحبشة ومعه فيل اسمه محمود وكان قوياً عظيماً واثنا عشر فيلاً غيره، فلما بلغ المغمس خرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع فأبى، وعبى جيشه وقدم الفيل، وكان كلما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح، وإذا وجهوه إلى اليمن هرول، وأرسل الله طيراً مع كل طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة، فكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره، وعلى كل حجر اسم من يقع عليه ففروا وهلكوا، وما مات أبرهة حتى انصدع صدره عن قلبه وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشي فقص عليه القصة، فلما أتمها وقع عليه الحجر فخر ميتاً بين يديه.

وروي أن أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير فخرج إليه فيها فعظم في عينه وكان رجلاً جسيماً وسيماً. وقيل: هذا سيد قريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال، فلما ذكر حاجته قال: سقطت من عيني جئت لأهدم البيت الذي هو دينك ودين آبائك وشرفكم في قديم الدهر، فألهاك عنه ذود أخذلك فقال: أنا رب الإبل وللبيت رب سيمنعه { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ } في تضييع وإبطال. يقال: ضلل كيده إذا جعله ضالاً ضائعاً. وقيل لامرىء القيس: الملك الضليل لأنه ضلل ملك أبيه أي ضيعه يعني أنهم كادوا البيت أوّلاً ببناء القليس ليصرفوا وجوه الحاج إليه فضلل كيدهم بإيقاع الحريق فيه، وكادوه ثانياً بإرادة هدمه فضلل كيدهم بإرسال الطير عليهم { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } حزائق الواحدة إبالة. قال الزجاج: جماعات من ههنا وجماعات من ههنا { تَرْمِيهِم } وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه { يرميهم } أي الله أو الطير لأنه اسم جمع مذكر وإنما يؤنث على المعنى { بِحِجَارَةٍ مّن سِجّيلٍ } هو معرب من سنككل وعليه الجمهور أي الآجر { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ } زرع أكله الدود.