التفاسير

< >
عرض

لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ
١
إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ
٢
فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ
٣
ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ
٤
-قريش

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

مكية وهي أربع آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

{ لإِيلَـٰفِ قُرَيْشٍ } متعلق بقوله { فَلْيَعْبُدُواْ } أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين. ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط أي إن نعم الله عليهم لا تحصى، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة، أو بما قبله أي { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ لإِيلَـٰفِ قُرَيْشٍ } يعني أن ذلك الإتلاف لهذا الإيلاف وهذا كالتضمين في الشعر، وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقاً لا يصح إلا به، وهما في مصحف أبيّ سورة واحدة بلا فصل. ويروى عن الكسائي ترك التسمية بينهما، والمعنى أنه أهلك الحبشة الذين قصدوهم ليتسامع الناس بذلك فيحترموهم فضل احترام حتى ينتظم لهم الأمن في رحلتيهم فلا يجترىء أحد عليهم. وقيل: المعنى اعجبوا لإيلاف قريش { لإِلاف قُرَيْشٍ } شامي أي لمؤالفة قريش. وقيل: يقال ألفته ألفاً وإلافاً. وقريش ولد النضر بن كنانة سموه بتصغير القرش وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن ولا تطاق إلا بالنار، والتصغير للتعظيم فسموه بذلك لشدتهم ومنعتهم تشبيهاً بها. وقيل: من القرش وهو الجمع والكسب لأنهم كانوا كسابين بتجاراتهم وضربهم في البلاد { إِيلَـٰفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشّتَاء وَٱلصَّيْفِ } أطلق الإيلاف ثم أبدل عنه المقيد بالرحلتين تفخيماً لأمر الإيلاف وتذكيراً لعظيم النعمة فيه. ونصب الرحلة بـ { إِيلَـٰفِهِمْ } مفعولاً به وأراد رحلتي الشتاء والصيف فأفرد لأمن الإلباس. وكانت لقريش رحلتان يرحلون في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام، فيمتارون ويتجرون، وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم الله فلا يتعرض لهم وغيرهم يغار عليهم { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءامَنَهُم مّنْ خوْفٍ } والتنكير في { جُوعٍ } و{ خوْفٍ }لشدتهما يعني أطعمهم بالرحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما، وآمنهم من خوف عظيم وهو خوف أصحاب الفيل، أو خوف التخطف في بلدهم ومسايرهم. وقيل: كانوا قد أصابتهم شدة حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة، وآمنهم من خوف الجذام لا يصيبهم ببلدهم. وقيل: ذلك كله بدعاء إبراهيم عليه السلام.