التفاسير

< >
عرض

إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٤
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٥
وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
٦
وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
٧
وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ
٨
-هود

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ } رجوعكم { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } فكان قادراً على إعادتكم { أَلآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } يزورّون عن الحق وينحرفون عنه لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره ومن أزورّ عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه { لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ } ليطلبوا الخفاء من الله فلا يطلع رسوله والمؤمنون على ازورارهم { أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } يتغطون بها أي يريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم كراهة لاستماع كلام الله كقول نوح عليه السلام { جَعَلُواْ أَصَـٰبِعَهُمْ فِى ءاذٰنِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ } { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } أي لا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم فلا وجه لتوصلهم لي ما يريدون من الاستخفاء والله مطلع على ثنيهم صدورهم واستغشائهم ثيابهم ونفاقهم غير نافق عنده قيل نزلت في المنافقين { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } بما فيها.

{ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } تفضلاً لا وجوباً { وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا } مكانه من الأرض ومسكنه { وَمُسْتَوْدَعَهَا } حيث كان مودعاً قبل الاستقرار من صلب أو رحم أو بيضة { كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ } كل واحد من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها في اللوح يعني ذكرها مكتوب فيه مبين { وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ } وما بينهما { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } من الأحد إلى الجمعة تعليماً للتأني { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَاء } أي فوقه يعني ما كان تحته خلق قبل خلق السماوات والأرض إلا الماء، وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل خلق السماوات والأرض. قيل بدأه بخلق يا قوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء ثم خلق ريحاً فأقر الماء على متنه ثم وضع عرشه على الماء وفي وقوف العرش على الماء أعظم اعتبار لأهل الأفكار{ لِيَبْلُوَكُمْ } أي خلق السماوات والأرض وما بينهما للمتحن فيهما ولم يخلق هذه الأشياء لأنفسها { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } أكثر شكراً وعنه عليه السلام "أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله فمن شكر وأطاع أثابه ومن كفر وعصى عاقبه" ولما أشبه ذلك اختبار المختبر قال: { ليبلوكم } أي ليفعل بكم ما يفعل المبتلي لأحوالكم كيف تعملون { وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } أشار بهذا إلى القرآن لأن القرآن هو الناطق بالبعث فإذا جعلوا سحراً فقد اندرج تحته إنكار ما فيه من البعث وغيره { ساحر } حمزة وعلي يريدون الرسول والساحر كاذب مبطل { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ } عذاب الآخرة أو عذاب يوم بدر { إِلَىٰ أُمَّةٍ } إلى جماعة من الأوقات { مَّعْدُودَةً } معلومة أو قلائل والمعنى إلى حين معلوم { لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } ما يمنعه من النزول استعجالاً له على وجه التكذيب والاستهزاء { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ } العذاب { لَّيْسَ } العذاب { مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } ويوم منصوب بـ { مصروفاً } أي ليس العذاب مصروفاً عنهم يوم يأتيهم { وَحَاقَ بِهِم } وأحاط بهم { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } العذاب الذي كانوا به يستعجلون وإنما وضع يستهزئون موضع يستعجلون لأن استعجالهم كان على وجه الاستهزاء

.