التفاسير

< >
عرض

تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ
١
مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ
٢
سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ
٣
وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ
٤
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ
٥
-المسد

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

مكية وهي خمس آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

{ تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } التباب: الهلاك ومنه قولهم أشابّة أم تابّة أي هالكة من الهرم؟ والمعنى هلكت يداه لأنه فيما يروى أخذ حجراً ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَتَبَّ } وهلك كله أو جعلت يداه هالكتين والمراد هلاك جملته كقوله { بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } [الحج: 10] ومعنى { وَتَبَّ } وكان ذلك وحصل، كقوله:

جزائي جزاء الله شر جزائهجزاء الكلاب العاويات وقد فعل

وقد دلت عليه قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: { وَقَد تَبَّ }، روي أنه لما نزل { وأنذر عشيرتك الأقربين } رقى الصفا "وقال: يا صباحاه فاستجمع إليه الناس من كل أوب. فقال عليه الصلاة والسلام: يا بني عبد المطلب يا بني فهر إن أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم. قال: فإني نذير لكم بين يدي الساعة" فقال أبو لهب: تباً لك ألهذا دعوتنا فنزلت. وإنما كناه والتكنية تكرمة لاشتهاره بها دون الاسم، أو لكراهة اسمه فاسمه عبد العزى، أو لأن مآله إلى نار ذات لهب فوافقت حاله كنيته، { أَبِى لَهَبٍ } مكي { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ } «ما» للنفي { وَمَا كَسَبَ } مرفوع و«ما» موصولة أو مصدرية أي ومكسوبه أو وكسبه أي لم ينفعه ماله الذي ورثه من أبيه، أو الذي كسبه بنفسه، أو ماله التالد والطارف، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ما كسب ولده. وروي أنه كان يقول: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وولدي { سَيَصْلَىٰ نَاراً } سيدخل { سَيَصْلَىٰ } البرجمي عن أبي بكر، والسين للوعيد أي هو كائن لا محالة وإن تراخى وقته { ذَاتَ لَهَبٍ } توقد { وَٱمْرَأَتُهُ } هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: كانت تمشي بالنميمة فتشعل نار العداوة بين الناس. ونصب عاصم { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } على الشتم وأنا أحب هذه القراءة، وقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل. وعلى هذا يسوغ الوقف على { ٱمْرَأَتُهُ } لأنها عطفت على الضمير في { سَيَصْلَىٰ } أي سيصلى هو وامرأته والتقدير: أعني حمالة الحطب، وغيره رفع { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } على أنها خبر وامرأته أو هي حمالة { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } حال أو خبر آخر. والمسد الذي فتل من الحبال فتلاً شديداً من ليف كان أو جلد أو غيرهما، والمعنى في جيدها حبل مما مسد من الحبال وأنها تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون تحقيراً لها وتصويراً لها بصورة بعض الحطابات لتجزع من ذلك ويجزع بعلها، وهما في بيت العز والشرف وفي منصب الثروة والجدة والله أعلم.