التفاسير

< >
عرض

قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
٣٧
وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ
٣٨
-يوسف

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ } أي لبيان ماهيته وكيفيته لأن ذلك يشبه تفسير المشكل { قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا } ولما استعبراه ووصفاه بالإحسان افترض ذلك فوصل به وصف نفسه بما هو فوق علم العلماء وهو الإخبار بالغيب، وأنه ينبئهما بما يحمل إليهما من الطعام في السجن قبل أن يأتيهما ويصفه لهما ويقول: يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت فيكون كذلك وجعل ذلك تخلصاً إلى أن يذكر لهما التوحيد ويعرض عليهما الإيمان ويزينه لهما ويقبح إليهما الشرك. وفيه أن العالم إذا جهلت منزلته في العلم فوصف نفسه بما هو بصدده، وغرضه أن يقتبس منه، لم يكن من باب التزكية { ذٰلِكُمَا } إشارة لهما إلى التأويل أي ذلك التأويل والإخبار بالمغيبات { مِمَّا عَلَّمَنِى رَبّى } وأوحى به إلي ولم أقله عن تكهن وتنجم { إِنّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلأَخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ } يجوز أن يكون كلاماً مبتدأ وأن يكون تعليلاً لما قبله أي علمني ذلك وأوحى به إلي لأني رفضت ملة أولئك وهم أهل مصر ومن كان الفتيان على دينهم { وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءابَاءي إِبْرٰهِيمَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ } وهي الملة الحنيفية. وتكرير «هم» للتوكيد وذكر الآباء ليريهما أنه من بيت النبوة بعد أن عرفهما أنه نبي يوحى إليه بما ذكر من إخباره بالغيوب ليقوي رغبتهما في اتباع قوله، والمراد به ترك الابتداء لا أنه كان فيه ثم تركه { مَا كَانَ لَنَا } ما صح لنا معشر الأنبياء { أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَىْء } أي شيء كان صنماً أو غيره. ثم قال: { ذٰلِكَ } التوحيد { مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } فضل الله فيشركون به ولا ينتهون.