التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ
٥٥
وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٥٦
وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
٥٧
-يوسف

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ قَالَ } يوسف { ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَائِنِ ٱلأَرْضِ } ولني على خزائن أرضك يعني مصر { إِنّى حَفِيظٌ } أمين أحفظ ما تستحفظنيه { عَلِيمٌ } عالم بوجوه التصرف. وصف نفسه بالأمانة والكفاية وهما طلبة الملوك ممن يولونه. وإنما قال ذلك ليتوصل إلى إمضاء أحكام الله وإقامة الحق وبسط العدل والتمكن مما لأجله بعث الأنبياء إلى العباد، ولعلمه أن أحداً غيره لا يقوم مقامه في ذلك فطلبه ابتغاء وجه الله لا لحب الملك والدنيا، وفي الحديث "رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكنه أخر ذلك سنة" قالوا: وفيه دليل على أنه يجوز أن يتولى الإنسان عمالة من يد سلطان جائر، وقد كان السلف يتولون القضاء من جهة الظلمة. وإذا علم النبي أو العالم أنه لا سبيل إلى الحكم بأمر الله ودفع الظلم إلا بتمكين الملك الكافر أو الفاسق فله أن يستظهر به. وقيل: كان الملك يصدر عن رأيه ولا يتعرض عليه في كل ما رأى وكان في حكم التابع له.

{ وَكَذٰلِكَ } ومثل ذلك التمكين الظاهر { مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلأَرْضِ } أرض مصر وكان أربعين فرسخاً في أربعين، والتمكين الإقدار وإعطاء المكنة { يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء } أي كل مكان أراد أن يتخذه منزلاً لم يمنع منه لاستيلائه على جميعها ودخولها تحت سلطانه. { نشاء } مكي { نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا } بعطائنا في الدنيا من الملك والغني وغيرهما من النعم { مَّن نَّشَاء } من اقتضت الحكمة أن نشاء له ذلك { وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } في الدنيا { وَلأَجْرُ ٱلأَخِرَةِ خَيْرٌ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ } يريد يوسف وغيره من المؤمنين إلى يوم القيامة { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } الشرك والفواحش. قال سفيان بن عيينة: المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا والآخرة، والفاجر يعجل له الخير في ا لدنيا وماله في الآخرة من خلاق، وتلا الآية. روي أن الملك توج يوسف وختمه بخاتمه ورداه بسيفه ووضع له سريراً من ذهب مكللاً بالدر الياقوت، فقال: أما السرير فأشد به ملكك، وأما الخاتم فأدبر به أمرك، وأما التاج فليس من لباسي ولا لباس آبائي فجلس على السرير، ودانت له الملوك وفوض الملك إليه أمره وعزل قطفير ثم مات بعد فزوجه الملك امرأته، فلما دخل عليها قال أليس هذا خيراً مما طلبت! فوجدها عذراء فولدت له ولدين ــ أفراثيم وميشا ــ وأقام العدل بمصر وأحبته الرجال والنساء، وأسلم على يديه الملك وكثير من الناس وباع من أهل مصر في سني القحط الطعام بالدارهم والدنانير في السنة الأولى حتى لم يبق معهم شيء منها، ثم بالحلي والجواهر في الثانية، ثم بالدواب في الثالثة، ثم بالعبيد والإماء في الرابعة، ثم بالدور والعقار في الخامسة، ثم بأولادهم في السادسة، ثم برقابهم في السابعة، حتى استرقهم جميعاً، ثم أعتق أهل مصر عن آخرهم، ورد عليهم أملاكهم، وكان لايبيع لأحد من الممتارين أكثر من حمل بعير، وأصاب أرض كنعان نحو ما أصاب مصر فأرسل يعقوب بنيه ليمتاروا وذلك قوله.