التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
٥
وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٦
-يوسف

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ قَالَ يَـا بَنِي } بالفتح حيث كان. حفص { لاَ تَقْصُصْ رُءيَاكَ } هي بمعنى الرؤية إلا أنها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة، وفرق بينهما بحر في التأنيث كما في القربة والقربى { عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ } جواب النهي أي إن قصصتها عليهم كادوك. عرف يعقوب عليه السلام أن الله يصطفيه للنبوة وينعم عليه بشرف الدارين فخاف عليه حسد الإخوة. وإنما لم يقل فيكيدوك كما قال { فيكدوني } [هود: 55] لأنه ضمن معنى فعل يتعدى باللام ليفيد معنى فعل الكيد مع إفادة معنى الفعل المضمن فيكون آكد وأبلغ في التخويف وذلك نحو «فيحتالوا لك» ألا ترى إلى تأكيده بالمصدر وهو { كَيْدًا إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لِلإِنْسَـٰنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } ظاهر العداوة فيحملهم على الحسد والكيد.

{ وَكَذٰلِكَ } ومثل ذلك الاجتباء الذي دلت عليه رؤياك { يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ } يصطفيك، والاجتباء الاصطفاء افتعال من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك، وجبيت الماء في الحوض جمعته { وَيُعَلّمُكَ } كلام مبتدأ غير داخل في حكم التشبيه كأنه قيل: وهو يعلمك { مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } أي تأويل الرؤيا، وتأويلها عبارتها وتفسيرها وكان يوسف أعبر الناس للرؤيا، أو تأويل أحاديث الأنبياء وكتب الله وهو اسم جمع للحديث وليس بجمع أحدوثة { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءالِ يَعْقُوبَ } بأن وصل لهم نعمة الدنيا بنعمة الآخرة أي جعلهم أنبياء في الدنيا وملوكاً، ونقلهم عنها إلى الدرجات العلى في الجنة. وآل يعقوب أهله وهم نسله وغيرهم، وأصل آل أهل بدليل تصغيره على« أهيل» إلا أنه لا يستعمل إلا فيمن له خطر، يقال آل النبي وآل الملك ولا يقال آل الحجام، ولكن أهله، وإنما علم يعقوب أن يوسف يكون نبياً وإخوته أنبياء استدلالاً بضوء الكواكب فلذا قال { وعلى آل يعقوب } { كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ } أراد الجد وأبا الجد { إِبْرٰهِيمَ وَإِسْحَـٰقَ } عطف بيان لـ { أبويك } { إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ } يعلم من يحق له الاجتباء { حَكِيمٌ } يضع الأشياء في مواضعها

.