التفاسير

< >
عرض

فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ
٧٣
فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ
٧٤
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ
٧٥
وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ
٧٦
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ
٧٧
وَإِن كَانَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ
٧٨
فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ
٧٩
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ
٨٠
وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ
٨١
وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ
٨٢
فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ
٨٣
فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨٤
وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ
٨٥
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ
٨٦
وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ
٨٧
-الحجر

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ } صيحة جبريل عليه السلام { مُشْرِقِينَ } داخلين في الشروق وهو بزوغ الشمس { فَجَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا } رفعها جبريل عليه السلام إلى السماء ثم قلبها والضمير لقرى قوم لوط { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجِّيلٍ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } للمتفرسين المتأملين كأنهم يعرفون باطن الشيء بسمة ظاهرة{ وَإِنَّهَا } وإن هذه القرى يعني آثارها { لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } ثابت يسلكه الناس لم يندرس بعد. وهم يبصرون تلك الآثار وهو تنبيه لقريش كقوله { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ وَبِٱلَّيْلِ } { [الصافات:137] إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } لأنهم المنتفعون بذلك. { وَإِن كَانَ أَصْحَـٰبُ ٱلأَيْكَةِ } وإن الأمر والشأن كان أصحاب الأيكة أي الغيضة { لَظَـٰلِمِينَ } لكافرين وهم قوم شعيب عليه السلام { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } فأهلكناهم لما كذبوا شعيباً { وَإِنَّهُمَا } يعني قرى قوم لوط والأيكة { لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } لبطريق واضح والإمام اسم ما يؤتم به فسمى به الطريق ومِطمر البناء لأنهما مما يؤتم به { وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَـٰبُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ } ــ هم ثمود، والحجر واديهم وهو بين المدينة والشام ــ المرسلين يعني بتكذيبهم صالحاً لأن كل رسول كان يدعو إلى الإيمان بالرسل جميعاً، فمن كذب واحداً منهم فكأنما كذبهم جميعاً، أو أراد صالحاً ومن معه من المؤمنين كما قيل «الخبيبون» في ابن الزبير وأصحابه { وَءَاتَيْنَـٰهُمْ ءَايَـٰتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } أي أعرضوا عنها ولم يؤمنوا بها { وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتًا } أي ينقبون في الجبال بيوتاً أو يبنون من الحجارة { ءَامِنِينَ } لوثاقة البيوت واستحكامها من أن تنهدم ومن نقب اللصوص والأعداء، أو آمنين من عذاب الله يحسبون أن الجبال تحميهم منه { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ } العذاب { مُّصْبِحِينَ } في اليوم الرابع وقت الصبح { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من بناء البيوت الوثيقة واقتناء الأموال النفيسة. { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } إلا خلقاً ملتبساً بالحق لا باطلاً وعبثا أو بسبب العدل والإنصاف يوم الجزاء على الأعمال { وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ } أي القيامة لتوقعها كل ساعة { لآتِيَةٌ } وإن الله ينتقم لك فيها من أعدائك ويجازيك وإياهم على حسناتك وسيئاتهم فإنه ما خلق السموات والأَرض وما بينهم، إلا لذلك

{ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } فأعرض عنهم إعراضاً جميلاً بحلم وإغضاء.قيل: هو منسوخ بآية السيف، وإن أريد به المخالفة فلا يكون منسوخاً { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلَّـٰقُ } الذي خلقك وخلقهم { ٱلْعَلِيمُ } بحالك وحالهم فلا يخفي عليه ما يجري بينكم وهو يحكم بينكم { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَـٰكَ سَبْعًا } أي سبع آيات وهي الفاتحة أو سبع سور وهي الطوال، واختلف في السابعة فقيل الأنفال وبراءة لأنهما في حكم سورة بدليل عدم التسمية بينهما، وقيل سورة يونس أو أسباع القرآن { مِّنَ ٱلْمَثَانِي } هي من التثنية وهي التكرير لأن الفاتحة مما يتكرر في الصلاة، أو من الثناء لاشتمالهما على ما هو ثناء على الله، والواحدة مثناة أو مثنية صفة للآية. وأما السور أو الأسباع فلما وقع فيها من تكرير القصص والمواعظ والوعد والوعيد ولما فيها من الثناء كأنها تثني على الله، وإذا جعلت السبع مثاني فمن للتبيين، وإذا جعلت القرآن مثاني فـ «من» للتبعيض { وَٱلقُرْءَانَ ٱلْعظِيمَ } هذا ليس بعطف الشيء على نفسه لأنه إذا أريد بالسبع الفاتحة أو الطوال فما وراءهن ينطلق عليه اسم القرآن لأنه اسم يقع على البعض كما يقع على الكل دليله قوله { بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ } [يوسف: 3] يعني سورة يوسف، وإذا أريد به الأَسباع فالمعنى ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم أي الجامع لهذين النعتين وهو التثنية أو الثناء والعظم. ثم قال لرسوله