التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ
١١٣
فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
١١٤
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١١٥
وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ
١١٦
-النحل

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ } أي محمد صلى الله عليه وسلم { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ } أي في حال التباسهم بالظلم قالوا: إنه القتل بالسيف يوم بدر. رُوى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه إلى أهل مكة في سني القحط بطعام ففرق فيهم فقال: "الله لهم بعد أن أذاقهم الجوع" { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } على يدي محمد صلى الله عليه وسلم { حَلَـٰلاً طَيِّباً } بدلاً عما كنتم تأكلونه حراماً خبيثاً من الأموال المأخوذة بالغارات والغصوب وخبائث الكسوب { وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } تطيعون أو إن صح زعمكم أنكم تعبدون الله بعبادة الآلهة لأنها شفعاؤكم عنده. ثم عدد عليهم محرمات الله ونهاهم عن تحريمهم وتحليلهم بأهوائهم فقال: { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } «إنما» للحصر أي المحرم هذا دون البحيرة وأخواتها وباقي الآية قد مر تفسيره { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ } هو منصوب بـ { لا تقولوا } أي ولا وتقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة في قولكم: { مَا فِى بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلانْعَـٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوٰجِنَا } [الأنعام: 139] من غير استناد ذلك الوصف إلى الوحي أو إلى القياس المستنبط منه. واللام مثلها في قولك لا تقولوا لما أحل الله هو حرام. وقوله { هَـٰذَا حَلَـٰلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } بدل من الكذب ولك أن تنصب { الكذب } بـ { تصف } وتجعل «ما» مصدرية وتعلق { هذا حلال وهذا حرام }. بـ { لا تقولوا } أي و لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام وهذا لوصف ألسنتكم الكذب، أي ولا تحرموا ولا تحللوا لأجل قول تنطق به ألسنتكم ويجول في أفواهكم لا لأجل حجة وبينة ولكن قول ساذج ودعوى بلا برهان. وقوله { تصف ألسنتكم الكذب } من فصيح الكلام جعل قولهم كأنه عين الكذب فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته وصورته بصورته كقولك «وجهها يصف الجمال وعينها تصف السحر» واللام في { لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } من التعليل الذي لا يتضمن معنى الفرض { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ }