التفاسير

< >
عرض

عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً
٨
إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً
٩
وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
١٠
وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً
١١
وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً
١٢
وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً
١٣
ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً
١٤
-الإسراء

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ } بعد المرة الثانية إن تبتم توبة أخرى وانزجرتم عن المعاصي { وَإِنْ عُدتُّمُ } مرة ثالثة { عُدْنَا } إلى عقوبتكم وقد عادوا فأعاد الله عليهم النقمة بتسليط الأكاسرة وضرب الإتاوة عليهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: سلط عليهم المؤمنون إلى يوم القيامة { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً } محبساً. يقال: للسجن محصر وحصير.

{ إِنَّ هَـــٰــذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } للحالة التي هي أقوم الحالات وأسدها وهي توحيد الله والإيمان برسله والعمل بطاعته أو للملة أو للطريقة { ويُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ } ويَبْشر حمزة وعلي { أَنَّ لَهُمْ } بأن لهم { أَجْراً كَبِيراً } أي الجنة { وَأَنَّ الَّذِينَ } وبأن الذين { لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا } أي أعددنا قلبت تاء { لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } يعني النار. والآية ترد القول بالمنزلة بين المنزلتين حيث ذكر المؤمنين وجزاءهم، والكافرين وجزاءهم، ولم يذكر الفسقة { وَيَدْعُ الإنسَـانُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهُ بِالْخَيْرِ } أي ويدعو الله عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله وولده كما يدعو لهم بالخير، أو يطلب النفع العاجل وإن قل بالضرر الآجل وإن جل { وَكَانَ الإنسَانُ عَجُولاً } يتسرع إلى طلب كل ما يقع في قلبه ويخطر بباله لا يتأنى فيه تأني المتبصر، أو أريد بالإنسان الكافر وأنه يدعوه بالعذاب استهزاء ويستعجل به كما يدعو بالخير إذا مسته الشدة، { وكان الإنسان عجولاً } يعني أن العذاب آتيه لا محالة فما هذا الاستعجال؟ وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هو النضر بن الحارث قال: { { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك } [الأنفال: 32]الآية. فأجيب فضربت عنقه صبراً. وسقوط الواو من { يدع } في الخط على موافقة اللفظ { وَجَعَلْنَا الَّليْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ الَّليْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً } أي الليل والنهار آيتان في أنفسهما فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود أي فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة أو جعلنا نيري الليل والنهار آيتين يريد الشمس والقمر. فمحونا آية الليل التي هي القمر حيث لم نخلق له شعاعاً كشعاع الشمس فترى الأشياء به رؤية بينة، وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء { لِّتَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } لتتوصلوا ببياض النهار إلى التصرف في معايشكم { وَلِتَعْلَمُوا } باختلاف الجديدين { عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ } يعني حساب الآجال ومواسم الأعمال، ولو كانا مثلين لما عرف الليل من النهار ولا استراح حراص المكتسبين والتجار { وَكُلَّ شَيْءٍ } مما تفتقرون إليه في دينكم ودنياكم { فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } بيناه بياناً غير ملتبس فأزحنا عللكم وما تركنا لكم حجة علينا.

{ وَكُلَّ إنسَـانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ } عمله { فِي عُنُقِهِ } يعني أن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل للعنق لا يفك عنه { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ } هو صفة لـ { كتابا }ً. يُلقَّاه شامي { مَنْشوراً } حال من { يلقاه } يعني غير مطوي ليمكنه قراءته أو هما صفتان للكتاب ونقول له { اقْرَأْ كِتَابَكَ } أي كتاب أعمالك وكلٌّ يُبعث قارئاً { كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ } الباء زائدة أي كفى نفسك { حَسِيباً } تمييز وهو بمعنى حاسب وعلى متعلق به من قولك حسب عليه كذا أو بمعنى الكافي. وضع موضع الشهيد فعدي« بعلى» لأن الشاهد يكفي المدعى ما أهمه، وإنما ذكر حسيباً لأنه بمنزلة الشهيد والقاضي والأمير إذا الغالب أن يتولى هذه الأمور الرجال فكأنه قيل: كفى نفسك رجلاً حسيباً، أو تؤوّل النفس بالشخص.