التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً
١٩
كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً
٢٠
ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً
٢١
لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً
٢٢
وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً
٢٣
-الإسراء

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا } هو مفعول به أو حقها من السعي وكفاءها من الأعمال الصالحة { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } مصدق لله في وعده ووعيده { فَأُوْلَـئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } مقبولاً عند الله مثاباً عليه. عن بعض السلف: من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله: إيمان ثابت ونية صادقة وعمل مصيب وتلا الآية: فإنه شرط فيها ثلاث شرائط في كون السعي مشكوراً: إرادة الآخرة والسعي فيما كلف والإيمان الثابت { كُلاً } كل واحد من الفريقين والتنوين عوض عن المضاف إليه وهو منصوب بقوله { نُّمِدُّ هَـؤُلآءِ } بدل من { كلاً } أي نمد هؤلاء { وَهَـــٰــؤُلآءِ } أي من أراد العاجلة ومن أراد الآخرة { مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ } رزقه و«من» تتعلق «بنمد» والعطاء اسم للمعطي أي نزيدهم من عطائنا ونجعل الآنف منه مدداً للسالف لا نقطعه فنرزق المطيع والعاصي جميعاً على وجه التفضل { وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } ممنوعاً عن عباده وإن عصوا { انظُرْ } بعين الاعتبار { كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } في المال والجاه والسعة والكمال { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } روي أن قوماً من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر رضي الله عنه فخرج الإذن لبلال وصهيب فشق على أبي سفيان فقال سهيل بن عمرو: إنما أتينا من قبلنا. إنهم دعوا ودعينا ــ يعني إلى الإسلام ــ فأسرعوا وأبطأنا، وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أكثر.

{ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته { فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً } فتصير جامعاً على نفسك الذم والخذلان. وقيل: مشتوماً بالإهانة محروماً عن الإعانة، إذ الخذلان ضد النصر والعون. دليله قوله تعالى: { { إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده } . [آل عمران: 160] حيث ذكر الخذلان بمقابلة النصر.

{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ } وأمر أمراً مقطوعاً به { أَلاَّ تَعْبُدُوآ إِلاَّ إِيَّاهُ } «أن» مفسرة و{ لا تعبدوا } نهي أو بأن لا تعبدوا { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } وأحسنوا بالوالدين إحساناً أو بأن تحسنوا بالوالدين إحساناً { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ } «إما» هي «أن» الشرطية زيد عليها «ما» تأكيداً لها ولذا دخلت النون المؤكدة في الفعل ولو أفردت «إن» لم يصح دخولها لا تقول. «إن تكرمن زيداً يكرمك» ولكن «إما تكرمنه» { أَحَدُهُمَآ } فاعل { يبلغن } وهو في قراءة حمزة وعليّ { يبلغان } بدل من ألف الضمير الراجع إلى الوالدين { أَوْ كِلاهُمَا } عطف على { أحدهما } فاعلاً وبدلاً { فَلا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } مدني وحفص. { أفّ }َ مكي وشامي. { أفّ }ُ غيرهم. وهو صوت يدل على تضجر فالكسر على أصل التقاء الساكنين والفتح للتخفيف، والتنوين لإرادة التنكير أي أتضجر تضجراً، وتركه لقصد التعريف أي أتضجر التضجر المعلوم { وَلا تَنْهَرْهُمَا } ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك والنهي والنهر أخوان { وَقُل لَّهُمَا } بدل التأفيف والنهر { قَوْلاً كَرِيماً } جميلاً ليناً كما يقتضيه حسنِ الأدب أو هو أن يقول: يا أبتاه يا أماه ولا يدعوهما بأسمائهما فإنه من الجفاء ولا بأس به في غير وجهه، كما قالت عائشة رضي الله عنها: نحلني أبو بكر كذا، وفائدة { عندك } إنهما إذا صارا كلاً على ولدهما ولا كافل لهما غيره فهما عنده في بيته وكنفه وذلك أشق عليه، فهو مأمور بأن يستعمل معهما لين الخلق حتى لا يقول لهما إذا أضجره ما يستقذر منهما «أف» فضلاً عما يزيد عليه، ولقد بالغ سبحانه في التوصية بهما حيث افتتحها بأن شفع الإحسان إليهما بتوحيده ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تنفلت من المتضجر مع موجبات الضجر ومع أحوال لا يكاد يصبر الإنسان معها.