التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً
٥٧
وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً
٥٨
وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً
٥٩
-الكهف

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بِـئَايِـٰتِ رَبّهِ } بالقرآن ولذلك رجع الضمير إليها مذكراً في قوله أن { يفقهوه } { فَأَعْرَضَ عَنْهَا } فلم يتذكر حين ذكر ولم يتدبر { وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } عاقبة ما قدمت يداه من الكفر والمعاصي غير متفكر فيها ولا ناظر في أن المسيء والمحسن لا بد لهما من جزاء. ثم علل إعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم بقوله: { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } أغطية جمع كنان وهو الغطاء { أن يفقهوهُ وفي ءاذانهم وَقراً } ثقلاً عن استماع الحق وجمع بعد الإفراد حملاً على لفظ من ومعناه { وَإِن تَدْعُهُمْ } يا محمد { إِلَى ٱلْهُدَى } إلى الإيمان { فَلَنْ يَهْتَدُواْ } فلا يكون منهم اهتداء ألبتة { إِذَا } جزاء وجواب فدل على انتفاء اهتدائهم لدعوة الرسول بمعنى أنهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سبباً في انتفائه، وعلى أنه جواب للرسول على تقدير قوله مالي لا أدعوهم حرصاً على إسلامهم؟ فقيل { وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً } { أَبَدًا } مدة التكليف كلها.

{ وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ } البليغ المغفرة { ذُو ٱلرَّحْمَةِ } الموصوف بالرحمة { لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ } أي ومن رحمته ترك مؤاخذته أهل مكة عاجلاً مع فرط عداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم { بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ } وهم يوم بدر { لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } منجى ولا ملجأ يقال: وآل إذا نجا ووأل إليه إذا لجأ إليه { وَتِلْكَ } مبتدأ { ٱلْقُرَىٰ } صفة لأن أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس والخبر { أَهْلَكْنَـٰهُمْ } أو { تلك القرى } نصب بإضمار «أهلكنا» على شريطة التفسير، والمعنى وتلك أصحاب القرى أهلكناهم والمراد قوم نوح وعاد وثمود { لَمَّا ظَلَمُواْ } مثل ظلم أهل مكة { وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا } وضربنا لإهلاكهم وقتاً معلوماً لا يتأخرون عنه كما ضربنا لأهل مكة يوم بدر والمهلك الإهلاك ووقته. وبفتح الميم وكسر اللام: حفص، وبفتحهما: أبو بكر أي لوقت هلاكهم أو لهلاكهم والموعد وقت أو مصدر.