التفاسير

< >
عرض

بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
١٨
وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ
١٩
يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ
٢٠
أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ
٢١
-الأنبياء

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ بَلْ نَقْذِفُ } «بل» إضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه منه لذاته كأنه قال سبحاننا أن نتخذ اللهو بل من سنتنا أن نقذف أي نرمي ونسلط { بِٱلْحَقّ } بالقرآن { عَلَى ٱلْبَـٰطِلِ } الشيطان أو بالإسلام على الشرك أو بالجد على اللعب { فَيَدْمَغُهُ } فيكسره ويدحض الحق الباطل، وهذه استعارة لطيفة لأن أصل استعمال القذف والدمغ في الأجسام، ثم استعير القذف لإيراد الحق على الباطل والدمغ لإذهاب الباطل فالمستعار منه حسي والمستعار له عقلي فكأنه قيل: بل نورد الحق الشبيه بالجسم القوي على الباطل الشبيه بالجسم الضعيف فيبطله إبطال الجسم القوي الضعيف { فَإِذَا هُوَ } أي الباطل { زَاهِقٌ } هالك ذاهب { وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } الله به من الولد ونحوه.

{ وَلَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } خلقاً وملكاً فأنى يكون شيء منه ولداً له وبينهما تنافٍ ويوقف على { الأرض } لأن { ومن عنده } منزلة ومكانة لا منزلاً ولا مكاناً يعني الملائكة مبتدأ خبره { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } لا يتعظمون { عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } ولا يعيون { يُسَبّحُونَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } حال من فاعل { يسبحون } أي تسبيحهم متصل دائم في جميع أوقاتهم لا تتخلله فترة بفراغ أو بشغل آخر فتسبيحهم جارٍ مجرى التنفس منا. ثم أضرب عن المشركين منكراً عليهم وموبخاً فجاء بـــــ «أم» التي بمعنى «بل» والهمزة فقال { أَمِ ٱتَّخَذُواْ الِهَةً مّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ } يحيون الموتى ومن الأرض صفة لـــــ { الهة } لأن الهتهم كانت متخذة من جواهر الأرض كالذهب والفضة والحجر أو تعبد في الأرض فنسبت إليها كقولك «فلان من المدينة» أي مدني، أو متعلق بـــــ { اتخذوا } ويكون فيه بيان غاية الاتخاذ، وفي قوله { هم ينشرون } زيادة توبيخ وإن لم يدعوا أن أصنامهم تحيـــــي الموتى، وكيف يدعون ومن أعظم المنكرات أن ينشر الموتى بعض الموات لأنه يلزم من دعوى الألوهية لها دعوى الإنشار، لأن العاجز عنه لا يصح أن يكون إلهاً إذ لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور والإنشار من جملة المقدورات. وقرأ الحسن { ينشرون } بفتح الياء وهما لغتان أنشر الله الموتى ونشرها أي أحياها.