التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٤٩
فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
٥٠
وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ
٥١
وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٥٢
-الحج

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ قُلْ يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } وإنما لم يقل بشير ونذير لذكر الفريقين بعده لأن الحديث مسوق إلى المشركين و{ يا أيها الناس } نداء لهم وهم الذين قيل فيهم { أفلم يسيروا } ووصفوا بالاستعجال. وإنما أقحم المؤمنون وثوابهم ليغاظوا، أو تقديره نذير مبين وبشير فبشر أولاً فقال { فَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } لذنوبهم { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } أي حسن. ثم أنذر فقال { وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ } سعى في أمر فلان إذا أفسده بسعيه { في ءاياتنا } أي القرآن { مُعَـٰجِزِينَ } حال { معجزين } حيث كان: مكي وأبو عمرو. وعاجزه سابقه كأن كل واحد منهما في طلب إعجاز الآخر عن اللحاق به فإذا سبقه قيل أعجزه وعجزه. والمعنى سعوا في معناها بالفساد من الطعن فيها حيث سموها سحراً وشعراً وأساطير مسابقين في زعمهم وتقديرهم طامعين أن كيدهم للإسلام يتم لها { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَحِيمِ } أي النار الموقدة.

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ } «من» لابتداء الغاية { مِن رَّسُولٍ } «من» زائدة لتأكيد النفي { وَلاَ نَبِيّ } هذا دليل بين على ثبوت التغاير بين الرسول والنبي بخلاف ما يقول البعض إنهما واحد. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء فقال "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً" فقيل: فكم الرسل منهم؟ فقال: "ثلثمائة وثلاثة عشر" والفرق بينهما أن الرسول من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه، والنبي من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر أن يدعو إلى شريعة من قبله. وقيل: الرسول واضع شرع والنبي حافظ شرع غيره { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ } قرأ، قال

تمنى كتاب الله أول ليلة تمنى داود الزبور على رسل

{ أَلْقَى ٱلشَّيْطَـٰنُ فِى أُمْنِيَّتِهِ } تلاوته. قالوا: إنه عليه السلام كان في نادي قومه يقرأ «والنجم» فلما بلغ قوله { وَمَنَوٰةَ ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلأَخْرَىٰ } [النجم: 20] جرى على لسانه «تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى» ولم يفطن له حتى أدركته العصمة فتنبه عليه. وقيل: نبهه جبريل عليه السلام فأخبرهم أن ذلك كان من الشيطان. وهذا القول غير مرضي لأنه لا يخلوا إما أن يتكلم النبي عليه السلام بها عمداً وإنه لا يجوز لأنه كفر ولأنه بعث طاعناً للأصنام لا مادحاً لها، أو أجرى الشيطان ذلك على لسان النبي عليه السلام جبراً بحيث لا يقدر على الامتناع منه وهو ممتنع لأن الشيطان لا يقدر على ذلك في حق غيره لقوله تعالى: { إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } [الإسراء: 65] ففي حقه أولى، أو جرى ذلك على لسانه سهواً وغفلة وهو مردود أيضاً لأنه لا يجوز مثل هذه الغفلة عليه في حال تبليغ الوحي ولو جاز ذلك لبطل الاعتماد على قوله، ولأنه تعالى قال في صفة المنزل عليه { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } [فصلت: 42]وقال: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ } [الحجر: 9] فلما بطلت هذه الوجوه لم يبق إلا وجه واحدٍ وهو أنه عليه السلام سكت عند قوله { { ومناة الثالثة الأخرى } فتكلم الشيطان بهذه الكلمات متصلاً بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم فوقع عند بعضهم أنه عليه السلام هو الذي تكلم بها، فيكون هذا إلقاء في قراءة النبي عليه السلام وكان الشيطان يتكلم في زمن النبي عليه السلام ويسمع كلامه، فقد رُوي أنه نادى يوم أحد ألا إن محمداً قد قتل وقال يوم بدر: { لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَّكُمْ } [الأنفال: 48]

{ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَـٰنُ } أي يذهب به ويبطله ويخبر أنه من الشيطان { ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ ءايَـٰتِهِ } أي يثبتها ويحفظها من لحوق الزيادة من الشيطان { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بما أوحى إلى نبيه وبقصد الشيطان { حَكِيمٌ } لا يدعه حتى يكشفه ويزيله. ثم ذكر أن ذلك ليفتن الله تعالى به قوماً بقوله.