التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ
١٣
وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ
١٤
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٥
-النمل

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ ءايَـٰتُنَا } أي معجزاتنا { مُبْصِرَةً } حال أي ظاهرة بينة جعل الإبصار لها وهو في الحقيقة لمتأمليها لملابستهم إياها بالنظر والتفكر فيها، أو جعلت كأنها تبصر فتهدي لأن الأعمى لا يقدر على الاهتداء فضلاً أن يهدي غيره ومنه قولهم «كلمة عيناء وعوراء» لأن الكلمة الحسنة ترشد والسيئة تغوي { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } ظاهر لمن تأمله وقد قوبل بين المبصرة والمبين { وَجَحَدُواْ بِهَا } قيل: الجحود لا يكون إلا من علم من الجاحد وهذا ليس بصحيح، لأن الجحود هو الإنكار وقد يكون الإنكار للشيء للجهل به وقد يكون بعد المعرفة تعنتاً كذا ذكره في شرح التأويلات. وذكر في الديوان يقال جحد حقه وبحقه بمعنى. والواو في { وَٱسْتَيْقَنَتْهَا } للحال و«قد» بعدها مضمرة والاستيقان أبلغ من الإيقان { أَنفُسِهِمْ } أي جحدوها بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم وضمائرهم { ظُلْماً } حال من الضمير في { وجحدوا } وأي ظلم أفحش من ظلم من استيقن أنها آيات من عند الله ثم سماها سحراً بيناً { وَعُلُوّاً } ترفعاً عن الإيمان بما جاء به موسى { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } وهو الإغراق هنا والإحراق ثمة.

{ ولقد ءاتينا } أعطينا { داوود وسليمان علماً } طائفة من العلم أو علماً سنياً غزيراً والمراد علم الدين والحكم { وقالا الحمد لله الذي فضّلنا على كثيرٍ مّن عباده المؤمنين } والآيات حجة لنا على المعتزلة في ترك الأصلح وهنا محذوف ليصح عطف الواو عليه ولولا تقدير المحذوف لكان الوجه الفاء كقولك «أعطيته فشكر»، وتقديره: آتيناهما علماً فعملا به وعلماه وعرفا حق النعمة فيه وقالا الحمد لله الذي فضلنا، والكثير المفضل عليه من لم يؤت علماً أو من لم يؤت مثل علمهما، وفيه أنهما فضلا على كثير وفضل عليهما كثير. وفي الآية دليل على شرف العلم وتقدم حملته وأهله، وأن نعمة العلم من أجلّ النعم، وأن من أوتيه فقد أوتي فضلاً على كثير من عباده، وما سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوام بما بعثوا من أجله، وفيها أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة أن يحمدوا الله على ما أوتوه، وأن يعتقد العالم أنه إن فضل على كثير فقد فضل عليهم مثلهم، وما أحسن قول عمر رضي الله عنه: كل الناس أفقه من عمر رضي الله عنه.