التفاسير

< >
عرض

وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ
٤٣
خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ
٤٤
ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
٤٥
-العنكبوت

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَـٰلُ } الأمثال نعت والخبر { نَضْرِبُهَا } نبينها { لِلنَّاسِ } كان سفهاء قريش وجهلتهم يقولون: إن رب محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت ويضحكون من ذلك فلذلك قال { وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ ٱلْعَـٰلِمُونَ } به وبأسمائه وصفاته أي لا يعقل صحتها وحسنها ولا يفهم فائدتها إلا هم، لأن الأمثال والتشبيهات إنما هي الطرق إلى المعاني المستورة حتى تبرزها وتصورها للأفهام كما صور هذا التشبيه الفرق بين حال المشرك وحال الموحد. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية فقال "العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه" ودلت الآية على فضل العلم على العقل.

{ خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقّ } أي محقاً يعني لم يخلقهما باطلاً بل لحكمة وهي أن تكونا مساكن عباده وعبرة للمعتبرين منهم ودلائل على عظم قدرته، ألا ترى إلى قوله { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } وخصهم بالذكر لانتفاعهم بها { ٱتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } تقرباً إلى الله تعالى بقراءة كلامه ولتقف على ما أمر به ونهى عنه { وأقم الصلاة } أي دم على إقامة الصلاة { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء } الفعلة القبيحة كالزنا مثلاً { وَٱلْمُنْكَرِ } هو ما ينكره الشرع والعقل. قيل: من كان مراعياً للصلاة جره ذلك إلى أن ينتهي عن السيئات يوماً ما فقد روي أنه قيل يوماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فلاناً يصلي بالنهار ويسرق بالليل. فقال: "إن صلاته لتردعه" روي أن فتى من الأنصار كان يصلي معه الصلوات ولا يدع شيئاً من الفواحش إلا ركبه فوصف له فقال "إن صلاته ستنهاه" فلم يلبث أن تاب. وقال ابن عوف: إن الصلاة تنهى إذا كنت فيها فأنت في معروف وطاعة وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر. وعن الحسن: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليست صلاته بصلاة وهي وبال عليه { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } أي والصلاة أكبر من غيرها من الطاعات، وإنما قال (ولذكر الله) ليستقل بالتعليل كأنه قال: والصلاة أكبر لأنها ذكر الله. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته. وقال ابن عطاء: ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له الآن، لأن ذكره بلا علة وذكركم مشوب بالعلل والأماني، ولأن ذكره لا يفنى وذكركم لا يبقى. وقال سلمان: ذكر الله أكبر من كل شيء وأفضل فقد قال عليه السلام "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير من إعطاء الذهب والفضة وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم" قالوا وما ذاك يا رسول الله قال "ذكر الله" وسئل أي الأعمال أفضل قال "أن تفارق الدنيا ولسانك رطب بذكر الله" أو ذكر الله أكبر من أن تحويه أفهامكم وعقولكم، أو ذكر الله أكبر من تلقى معه معصية، أو ذكر الله أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من غيره: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } من الخير والطاعة فيثيبكم أحسن الثواب.