التفاسير

< >
عرض

وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ
٦
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٧
وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٨
-العنكبوت

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَمَن جَاهَدَ } نفسه بالصبر على طاعة الله أو الشيطان بدفع وساوسه أو الكفار { فَإِنَّمَا يُجَـٰهِدُ لِنَفْسِهِ } لأن منفعة ذلك ترجع إليها { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وعن طاعتهم ومجاهدتهم، وإنما أمر ونهى رحمة لعباده { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ } أي الشرك والمعاصي بالإيمان والتوبة { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِى كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي أحسن جزاء أعمالهم في الإسلام.

{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } وصى حكمه حكم أمر في معناه وتصرفه. يقال: وصيت زيداً بأن يفعل خيراً كما تقول: أمرته بأن يفعل. ومنه قوله { وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرٰهِيمُ بَنِيهِ } [البقرة: 132] أي وصاهم بكلمة التوحيد وأمرهم بها، وقولك: وصيت زيداً بعمرو معناه وصيته بتعهد عمرو ومراعاته ونحو ذلك. وكذلك معنى قوله { ووصينا الإنسان بوالديه حسناً } ووصيناه بإيتاء والديه حسناً أو بإيلاء والديه حسناً أي فعلاً ذا حسن، أو ما هو في ذاته حسن لفرط حسنه كقوله { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا } [البقرة: 83] ويجوز أن يجعل { حسناً } من باب قولك «زيداً» بإضمار «اضرب» إذا رأيته متهيئاً للضرب فتنصبه بإضمار أولهما، أو افعل بهما لأن التوصية بهما دالة عليه وما بعده مطابق له كأنه قال: قلنا أولهما معروفاً ولا تطعهما في الشرك إذا حملاك عليه، وعلى هذا التفسير إن وقف على { بوالديه } وابتدىء { حسناً } حسن الوقف، وعلى التفسير الأول لا بد من إضمار القول معناه وقلنا { وَإِن جَـٰهَدَاكَ } أيها الإنسان { لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أي لا علم لك بإلهيته والمراد بنفي العلم نفي المعلوم كأنه قال: لتشرك بي شيئاً لا يصح أن يكون إلهاً { فَلاَ تُطِعْهُمَا } في ذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } مرجع من آمن منكم ومن أشرك { فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فأجازيكم حق جزائكم، وفي ذكر المرجع والوعيد تحذير من متابعتهما على الشرك وحث على الثبات والاستقامة في الدين. روي أن سعد بن أبي وقاص لما أسلم نذرت أمه أن لا تأكل ولا تشرب حتى يرتد فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، والتي في «لقمان» والتي في «الأحقاف»