التفاسير

< >
عرض

يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٧١
وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٧٢
لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ
٧٣
إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ
٧٤
لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ
٧٥
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ
٧٦
وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ
٧٧
لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ
٧٨
أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ
٧٩
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ
٨٠
قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ
٨١
سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ
٨٢
فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ
٨٣
وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ
٨٤
وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٨٥
وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
٨٦
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
٨٧
وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ
٨٨
فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
٨٩
-الزخرف

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَـٰفٍ } جمع صفحة { مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوٰبٍ } أي من ذهب أيضاً والكوب الكوز لا عروة له { وَفِيهَا } في الجنة { مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ } مدني وشامي وحفص بإثبات الهاء العائدة إلى الموصول، وحذفها غيرهم لطول الموصول بالفعل والفاعل والمفعول. و{ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } وهذا حصر لأنواع النعم لأنها إما مشتهيات في القلوب أو مستلذة في العيون { وَأَنتُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } { تِلْكَ } إشارة إلى الجنة المذكورة وهي مبتدأ و { ٱلْجَنَّة } خبر و { ٱلَّتِى أُورِثْتُمُوهَا } صفة الجنة، أو { ٱلْجَنَّة } صفة للمبتدأ الذي هو اسم الإشارة و { ٱلَّتِى أُورِثْتُمُوهَا } خبر المبتدأ، أو { ٱلَّتِى أُورِثْتُمُوهَا } صفة المبتدأ و { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } الخبر، والباء تتعلق بمحذوف أي حاصلة أو كائنة كما في الظروف التي تقع أخباراً، وفي الوجه الأول تتعلق بـ { أُورِثْتُمُوهَا } وشبهت في بقائها على أهلها بالميراث الباقي على الورثة { لَكُمْ فِيهَا فَـٰكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ } «من» للتبعيض أي لا تأكلون إلا بعضها وأعقابها باقية في شجرها فهي مزينة بالثمار أبداً، وفي الحديث «لا ينزع رجل في الجنة من ثمرها إلا نبت مكانها مثلاها».

{ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ } خبر بعد خبر { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ } خبر آخر أي لا يخفف ولا ينقص { وَهُمْ فِيهِ } في العذاب { مُّبْلِسُونَ } آيسون من الفرج متحيرون { وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ } بالعذاب { وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّـٰلِمِينَ } هم فصل { وَنَادَوْاْ يٰمَـٰلِكُ } لما آيسوا من فتور العذاب نادروا يا مالك وهو خازن النار. وقيل لابن عباس: إن ابن مسعود قرأ «يا مال» فقال: ما أشغل أهل النار عن الترخيم { لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } ليمتنامن قضى عليه إذا أماته { فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } [القصص: 15] والمعنى سل ربك أن يقضي علينا { قَالَ إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ } لا بثون في العذاب لا تتخلصون عنه بموت ولا فتور { لَقَدْ جِئْنَـٰكُم بِٱلْحَقِّ } كلام الله تعالى. ويجب أن يكون في { قَالَ } ضمير الله لما سألوا مالكاً أن يسأل القضاء عليهم أجابهم الله بذلك. وقيل: هو متصل بكلام مالك والمراد بقوله جئناكم الملائكة إذ هم رسل الله وهو منهم { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَـٰرِهُونَ } لا تقبلونه وتنفرون منه لأن مع الباطل الدعة ومع الحق التعب.

{ أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْراً } أم أحكم مشركو مكة أمراً من كيدهم ومكرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم { فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } كيدنا كما أبرموا كيدهم وكانوا يتنادون فيتناجون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ } حديث أنفسهم { وَنَجْوٰهُم } ما يتحدثون فيما ببينهم ويخفونه عن غيرهم { بَلَىٰ } نسمعها ونطلع عليها { وَرُسُلُنَا } أي الحفظة { لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } عندهم يكتبون ذلك، وعن يحيـى بن معاذ: من ستر من الناس عيوبه وأبداها لمن لا تخفى عليه خافية فقد جعله أهون الناظرين إليه وهو من أمارات النفاق. { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } وصح ذلك ببرهان { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } فأنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد إليه كما يعظم الرجل ولد الملك لتعظيم أبيه، وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والمراد نفي الولد، وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهي محال في نفسها فكان المعلق بها محالاً مثلها، ونظيره قول سعيد بن جبير للحجاج حين قال له: والله لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى: لو عرفت أن ذلك إليك ما عبدت إلهاً غيرك. وقيل: إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول العابدين أي الموحدين لله المكذبين قولكم بإضافة الولد إليه. وقيل؛ إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد، من عبد يعبد إذا اشتد أنفه فهو عبد وعابد. وقرىء { ٱلعَـبِدين } وقيل: هي «إن» النافية أي ما كان للرحمن ولد فأنا أول من قال بذلك وعبد ووحد. ورُوي أن النضر قال: الملائكة بنات الله فنزلت: فقال النضر: ألا ترون أنه صدقني فقال له الوليد: ما صدقك ولكن قال ما كان للرحمن ولد فأنا أو الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له. { وُلْد } حمزة وعلي. ثم نزه ذاته على اتخاذ الولد فقال { سُبْحَـٰنَ رَبِّ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } أي هو رب السماوات والأرض والعرش فلا يكون جسماً إذ لو كان جسماً لم يقدر على خلقها، وإذا لم يكن جسماً لا يكون له ولد لأن التولد من صفة الأجسام { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ } في باطلهم { وَيَلْعَبُواْ } في دنياهم { حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ } أي القيامة، وهذا دليل على أن ما يقولونه من باب الجهل والخوض واللعب.

{ وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِى ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ } ضمن اسمه تعالى معنى وصف فلذلك علق به الظرف في قوله { فِى ٱلسَّمَاء } { وَفِى ٱلأَرْضِ } كما تقول: هو حاتم في طيّ وحاتم في تغلب. على تضمين معنى الجواد الذي شهر به كأنك قلت: هو جواد في طيّ جواد في تغلب. وقرىء { وهو ٱلذي فى ٱلسماء ٱلله وفى ٱلأرض ٱلله } ومثله قوله { وَهُوَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَفِى ٱلأَرْضِ } فكأنه ضمن معنى المعبود. والراجع إلى الموصول محذوف لطول الكلام كقولهم «ما أنا بالذي قائل لك شيئاً» والتقدير: وهو الذي هو في السماء إله. و { إِلَـه } يرتفع على أنه خبر مبتدأ مضمر ولا يرتفع { إِلَـه } بالابتداء وخبره { فِى ٱلسَّمَاء } لخلو الصلة حينئذ من عائد يعود إلى الموصول { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } في أقواله وأفعاله { ٱلْعَلِيمُ } بما كان ويكون { وَتَبَارَكَ ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } أي علم قيامها { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } { يَرْجِعُونَ }: مكي وحمزة وعلي { وَلاَ يَمْلِكُ } آلهتهم { ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ } أي يدعونهم { مِن دُونِهِ } من دون الله { ٱلشَّفَـٰعَةَ } كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله { إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ } أي ولكن من شهد بالحق بكلمة التوحيد { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أن الله ربهم حقاً ويعتقدون ذلك هو الذي يملك الشفاعة، وهو استثناء منقطع أو متصل لأن في جملة الذين يدعون من دون الله الملائكة { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } أي المشركين { مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } لا الأصنام والملائكة { فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } فكيف أو من أين يصرفون عن التوحيد مع هذا الإقرار

{ وَقِيلِهِ } بالجر: عاصم وحمزة أي وعنده علم الساعة وعلم قيله { يٰرَبِّ } والهاء يعود إلى محمد صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره في قوله: { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ }. وبالنصب: الباقون عطفاً على محل { ٱلسَّاعَة } أي يعلم الساعة ويعلم قيله أي قيل محمد يا رب. والقيل والقول والمقال واحد، ويجوز أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه. وجواب القسم { إِنَّ هَـؤُلآءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } كأنه قيل: وأقسم بقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، وإقسام الله بقيله رفع منه وتعظيم لدعائه والتجائه إليه { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ } فأعرض عن دعوتهم يائساً عن إيمانهم وودعهم وتاركهم و{ وَقُلْ } لهم { سَلَـٰمٌ } أي تسلم منكم ومتاركة { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } وعيد من الله لهم وتسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم. وبالتاء: مدني وشامي.