التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٢٥
قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٢٦
وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ
٢٧
وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٢٨
هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٢٩
فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ
٣٠
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ
٣١
وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ
٣٢
وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٣٣
وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٣٤
ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ
٣٥
فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٣٦
وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٣٧
-الجاثية

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُنَا } أي القرآن يعني ما فيه من ذكر البعث { بَيِّنَـٰتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ } وسمى قولهم حجة وإن لم يكن حجة لأنه في زعمهم حجة { إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِأَبَآءِنَا } أي أحيوهم.

{ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } في دعوى البعث، و { حُجَّتَهُمْ } خبر «كان» واسمها { أَن قَالُواْ } والمعنى ما كان حجتهم إلا مقالتهم: { ٱئْتُواْ بِـئَابَائِنَا } وقرىء { حُجَّتَهُمْ } بالرفع على أنها اسم «كان» و { أَن قَالُواْ } الخبر. { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ } في الدنيا { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } فيها عند انتهاء أعماركم { ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي يبعثكم يوم القيامة جميعاً ومن كان قادراً على ذلك كان قادراً على الإتيان بآبائكم ضرورة { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي في الجمع { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } قدرة الله على البعث لإعراضهم عن التفكر في الدلائل { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } عامل النصب في { يَوْمٍ تَقُومُ } { يَخْسَرُ } و { يَوْمَئِذٍ } بدل من { يَوْمٍ تَقُومُ } { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } جالسة على الركب، يقال: جثا فلان يجثو إذا جلس على ركبتيه وقيل جاثية مجتمعة { كُـلُّ أُمَّةٍ } بالرفع على الابتداء { كُلَّ } بالفتح: يعقوب على الإبدال من { كُـلَّ أُمَّةٍ } { تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَـٰبِهَا } إلى صحائف أعمالها فاكتفى باسم الجنس فيقال لهم { ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } في الدنيا.

{ هَـٰذَا كِتَـٰبُنَا } أضيف الكتاب إليهم لملابسته إياهم لأن أعمالهم مثبتة فيه وإلى الله تعالى لأنه مالكه والآمر ملائكته أن يكتبوا فيه أعمال عباده { يَنطِقُ عَلَيْكُم } يشهد عليكم بما عملتم { بِٱلْحَقِّ } من غير زيادة ولا نقصان { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي نستكتب الملائكة أعمالكم. وقيل: نسخت واستنسخت بمعنى وليس ذلك بنقل من كتاب بل معناه نثبت { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِهِ } جنته { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوآ } فيقال لهم { أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } والمعنى ألم يأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم فحذف المعطوف عليه { فَٱسْتَكْبَرْتُمْ } عن الإيمان بها { وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } كافرين { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ } بالجزاء { حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ } بالرفع عطف على محل «إن» واسمها. { وَٱلسَّاعَةُ }: حمزة عطف على { وَعَدَ ٱللَّهُ } { لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِى مَا ٱلسَّاعَةُ } أي شيء الساعة { إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً } أصله نظن ظناً ومعناه إثبات الظن فحسب فأدخل حرف النفي والاستثناء ليفاد إثبات الظن مع نفي ما سواه، وزيد نفي ما سوى الظن توكيداً بقوله { وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ وَبَدَا لَهُمْ } ظهر لهؤلاء الكفار { سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } قبائح أعمالهم أو عقوبات أعمالهم السيئات كقوله: { وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } [الشورى: 40] { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } ونزل بهم جزاء استهزائهم.

{ وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } أي نترككم في العذاب كما تركتم عدة لقاء يومكم وهي الطاعة، وإضافة اللقاء إلى اليوم كإضافة المكر في قوله { بَلْ مَكْرُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [سبأ: 33] أي نسيتم لقاء الله تعالى في يومكم هذا ولقاء جزائه { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } أي منزلكم { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّـٰصِرِينَ ذٰلِكُمْ } العذاب { بِأَنَّكُمُ } بسبب أنكم { ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا } { لاَ يَخْرُجُونَ } حمزة وعلي { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } ولا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم أي يرضوه { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي فاحمدوا الله الذي هو ربكم ورب كل شيء من السماوات والأرض والعالمين، فإن مثل هذه الربوبية العامة توجب الحمد والثناء على كل مربوب { وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } وكبّروه فقد ظهرت آثار كبريائه وعظمته في السماوات والأرض { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } في انتقامه { ٱلْحَكِيمُ } في أحكامه.