التفاسير

< >
عرض

حـمۤ
١
تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ
٢
إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لأيَٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ
٣
وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
٤
وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
٥
تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِ يُؤْمِنُونَ
٦
وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ
٧
يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٨
وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا شَيْئاً ٱتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٩
مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
١٠
-الجاثية

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ حـم } إن جعلتها إسماً للسورة فهو مرفوعة بالابتداء والخبر { تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ } صلة للتنزيل، وإن جعلتها تعديداً للحروف كان { تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ } مبتدأ والظرف خبراً { ٱلْعَزِيزِ } في انتقامه { ٱلْحَكِيمِ } في تدبيره { إِنَّ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ لآيَـٰتٍ } لدلالات على وحدانيته، ويجوز أن يكون المعنى إن في خلق السماوات والأرض لآيات { لِلْمُؤْمِنِينَ } دليله قوله { وَفِى خَلْقِكُمْ } ويعطف { وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ } على الخلق المضاف لأن المضاف إليه ضمير مجرور متصل يقبح العطف عليه { ءَايَـٰتُ } حمزة وعلي بالنصب. وغيرهما بالرفع مثل قولك إن زيداً في الدار وعمراً في السوق أو وعمرو في السوق { لِِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِزْقٍ } أي مطر وسمي به لأنه سبب الرزق { فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ } { ٱلرّيحَ } حمزة وعلي.{ ءَايٰتٌ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } بالنصب: علي وحمزة، وغيرهما بالرفع، وهذا من العطف على عاملين سواء نصبت أو رفعت فالعاملان إذا نصبت «إن» و «في». أقيمت الواو مقامهما فعملت الجر في { وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } والنصب في { ءَايَـٰتُ }. وإذا رفعت فالعاملان الابتداء و «في». عملت الواو الرفع في آيات والجر في { وَٱخْتِلَـٰف } هذا مذهب الأخفش لأنه يجوز العطف على عاملين، وأما سيبويه فإنه لا يجيزه وتخريج الآية عنده، أن يكون على اضمار «في» والذي حسنه تقديم ذكر «في» في الآيتين قبل هذه الآية ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه { وَفِى ٱخْتِلَـٰف ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } ويجوز أن ينتصب { ءايَـٰت } على الاختصاص بعد انقضاء المجرور معطوفاً على ما قبله، أو على التكرير توكيداً لآيات الأولى كأنه قيل: آيات آيات، ورفعها بإضمار هي. والمعنى في تقديم الإيمان على الإيقان وتوسيطه وتأخير الآخر، أن المنصفين من العباد إذا نظروا في السماوات والأرض نظراً صحيحاً علموا أنها مصنوعة وأنه لا بد لها من صانع فآمنوا بالله، فإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال وفي خلق ما ظهر على الأرض من صنوف الحيوان ازدادوا إيماناً وأيقنوا، فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدد في كل وقت كاختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار وحياة الأرض بها بعد موتها، وتصريف الرياح جنوباً وشمالاً وقبولاً ودبوراً، عقلوا واستحكم علمهم وخلص يقينهم { تِلْكَ } إشارة إلى الآيات المتقدمة أي تلك الآيات { ءَايَـٰتُ ٱللَّهِ } وقوله { نَتْلُوهَا } في محل الحال أي متلوة { عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ } والعامل ما دل عليه { تِلْكَ } من معنى الإشارة { فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَـٰتِهِ } أي بعد آيات الله كقولهم «أعجبني زيد وكرمه» يريدون أعجبني كرم زيد { يُؤْمِنُونَ } حجازي وأبو عمرو وسهل وحفص، وبالتاء غيرهم على تقدير قل يا محمد.

{ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ } كذاب { أَثِيمٍ } متبالغ في اقتراف الآثام { يَسْمَعُ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ } في موضع جر صفة { تُتْلَىٰ عَلَيْهِ } حال من آيات الله { ثُمَّ يُصِرُّ } يقبل على كفره ويقيم عليه { مُسْتَكْبِراً } عن الإيمان بالآيات والإذعان لما تنطق به من الحق مزدرياً لها معجباً بما عنده. قيل: نزلت في النضر بن الحرث وما كان يشتري من أحاديث العجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن. والآية عامة في كل من كان مضاراً لدين الله. وجيء بـ «ثم» لأن الإصرار على الضلالة والاستكبار عن الإيمان عند سماع آيات القرآن مستبعد في العقول { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } «كأن» مخففة والأصل كأنه لم يسمعها والضمير ضمير الشأن ومحل الجملة النصب على الحال أي يصر مثل غير السامع { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } فأخبره خبراً يظهر أثره على البشرة.

{ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَـٰتِنَا شَيْئاً } وإذا بلغه شيء من آياتنا وعلم أنه منها { ٱتَّخَذَهَا } اتخذ الآيات { هُزُواً } ولم يقل اتخذه للإشعار بأنه إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات خاض في الاستهزاء بجميع الآيات ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه، ويجوز أن يرجع الضمير إلى شيء لأنه في معنى الآية كقول أبي العتاهية:

نفسي بشيء من الدنيا معلقة الله والقائم المهدي يكفيها

حيث أراد عتبة { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى كل أفاك أثيم لشموله الأفاكين { لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } مخز { مِّن وَرَآئِهِمْ } من قدامهم الوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو قدام { جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ } من الأموال { شَيْئاً } من عذاب الله { وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ } «ما» فيهما مصدرية أو موصلة { مِن دُونِ ٱللَّهِ } من الأوثان { أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } في جهنم.