التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ
٢٠
يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ
٢١
قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ
٢٢
قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
٢٣
قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ
٢٤
قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ
٢٥
قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ
٢٦
-المائدة

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَـٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء } لأنه لم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } لأنه ملكهم بعد فرعون ملكه وبعد الجبابرة ملكهم، ولأن الملوك تكاثروا فيهم تكاثر الأنبياء. وقيل: الملك من له مسكن واسع فيه ماء جار وكانت منازلهم واسعة فيها مياه جارية. وقيل: من له بيت وخدم، أو لأنهم كانوا مملوكين في أيدي القبط فأنقذهم الله فسمي إنقاذهم ملكاً { وَءاتَـٰكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مّن ٱلْعَـٰلَمِينَ } من فلق البحر وإغراق العدو وإنزال المن والسلوى وتظليل الغمام ونحو ذلك من الأمور العظام أو أراد عالمي زمانهم { يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ } أي المطهرة أو المباركة وهي أرض بيت المقدس أو الشام { الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } قسمها لكم أو سماها أو كتب في اللوح المحفوظ أنها مساكن لكم { وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِكُمْ } ولا ترجعوا على أعقابكم مدبرين منهزمين من خوف الجبابرة جبناً أو لا ترتدوا على أدباركم في دينكم { فَتَنقَلِبُواْ خَـٰسِرِينَ } فترجعوا خاسرين ثواب الدنيا والآخرة.

{ قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ } الجبار فعال من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه وهو العاتي الذي يجبر الناس على ما يريد { وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا } بالقتال { حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا } بغير قتال { فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا } بلا قتال { فَإِنَّا دٰخِلُونَ } بلادهم حينئذ { قَالَ رَجُلاَنِ } كالب ويوشع { من الّذين يخافونَ } الله ويخشونه كأنه قيل رجلان من المتقين وهو في محل الرفع صفة لـ «رجلان» وكذا { أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا } بالخوف منه { ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ } أي باب المدينة { فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَـٰلِبُونَ } أي انهزموا وكانت الغلبة لكم، وإنما علما ذلك بإخبار موسى عليه السلام { وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } إذ الإيمان به يقتضي التوكل عليه وهو قطع العلائق وترك التملق للخلائق { قَالُواْ يَـٰمُوسَى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَا } هذا نفي لدخولهم في المستقبل على وجه التوكيد { أَبَدًا } تعليق للنفي المؤكد بالدهر المتطاول { مَّا دَامُواْ فِيهَا } بيان للأبد { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ } من العلماء من حمله على الظاهر. وقال: إنه كفر منهم وليس كذلك إذ لو قالوا ذلك اعتقاداً وكفروا به لحاربهم موسى ولم تكن مقاتلة الجبارين أولى من مقاتلة هؤلاء، ولكن الوجه فيه أن يقال: فاذهب أنت وربك يعينك على قتالك، أو وربك أي وسيدك وهو أخوك الأكبر هارون، أو لم يرد به حقيقة الذهاب ولكن كما تقول «كلمته فذهب يجيبني» تريد معنى الإرادة كأنهم قالوا أريدا قتالهم: { فَقَاتِلا إِنَّا هَـٰهُنَا قَـٰعِدُونَ } ماكثون لا نقاتلهم لنصرة دينكم فلما عصوه وخالفوه { قَالَ رَبّ إِنّى لا أَمْلِكُ } لنصرة دينك { إِلاَّ نَفْسِى وَأَخِى } وهو منصوب بالعطف على «نفسي» أو على اسم «إن» أي إني لا أملك إلا نفسي وإن أخي لا يملك إلا نفسه، أو مرفوع بالعطف على محل «إن» واسمها، أو على الضمير في «لا أملك» وجاز للفصل أي ولا يملك أخي إلا نفسه، أو هو مبتدأ والخبر محذوف أي وأخي كذلك، وهذا من البث والشكوى إلى الله ورقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة وكأنه لم يثق بالرجلين المذكورين كل الوثوق فلم يذكر إلا النبي المعصوم، أو أراد ومن يؤاخيني على ديني { فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } فافصل بيننا وبينهم بأن تحكم لنا بما وعدتنا وتحكم عليهم بما هم أهله وهو في معنى الدعاء عليهم، أو فباعد بيننا وبينهم وخلصنا من صحبتهم كقوله: { وَنَجّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } [التحريم: 11].

{ قَالَ فَإِنَّهَا } أي الأرض المقدسة { مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } لا يدخلونها وهو تحريم منع لا تحريم تعبد كقوله { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ } [القصص: 12]. والمراد بقوله «كتب الله لكم» أي بشرط أن تجاهدوا أهلها فلما أبوا الجهاد قيل: فإنها محرمة عليهم، أو المراد فإنها محرمة عليهم: { أَرْبَعِينَ سَنَةً } فإذا مضى الأربعون كان ما كتب فقد سار موسى عليه السلام بمن بقي من بني إسرائيل وكان يوشع على مقدمته ففتحها وأقام فيها ما شاء الله ثم قبض. و «أربعين» ظرف التحريم والوقف على سنة أو ظرف { يَتِيهُونَ فِى ٱلأَرْضِ } أي يسيرون فيها متحيرين لا يهتدون طريقاً أربعين سنة والوقف على «عليهم». وإنما عوقبوا بالحبس لاختيارهم المكث فكانوا مع شدة سيرهم يصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا في ستة فراسخ. ولما ندم على الدعاء عليهم قيل له: { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } فلا تحزن عليهم لأنهم فاسقون. قيل: لم يكن موسى وهارون معهم في التيه لأنه كان عقاباً وقد سأل موسى ربه أنه يفرق بينهما وبينهم. وقيل: كانا معهم إلا أنه كان ذلك روحاً لهما وسلاماً لا عقوبة. ومات هارون في التيه، وموسى فيه بعده بسنة، ومات النقباء في التيه إلا كالب ويوشع.

ثم أمر الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقص على حاسديه ما جرى بسبب الحسد ليتركوه ويؤمنوا بقوله: