التفاسير

< >
عرض

سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٤٢
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ
٤٣
إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ
٤٤
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
٤٥
وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
٤٦
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٤٧
وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
٤٨
وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ
٤٩
أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
٥٠
-المائدة

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ } كرر للتأكيد أي هم سماعون ومثله { أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحْتِ } وهو كل ما لا يحل كسبه وهو من سحته إذا استأصله لأنه مسحوت البركة، وفي الحديث "هو الرشوة في الحكم" وكانوا يأخذون الرشا على الأحكام وتحليل الحرام. وبالتثقيل مكي وبصري وعلي { فَإِن جَاءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } قيل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخيراً إذا تحاكم إليه أهل الكتاب بين أن يحكم بينهم وبين أن لا يحكم بينهم. وقيل: نسخ التخيير بقوله: { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } { وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً } فلن يقدروا على الإضرار بك لأن الله تعالى يعصمك من الناس { وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِٱلْقِسْطِ } بالعدل { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } العادلين.

{ وَكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعِندَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ } تعجيب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه مع أن الحكم منصوص في كتابهم الذي يدعون الإيمان به. «فيها حكم الله» حال من التوراة وهي مبتدأ وخبره «عندهم» { ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } عطف على «يحكمونك» أي ثم يعرضون من بعد تحكيمك عن حكمك الموافق لما في كتابهم لا يرضون به { وَمَا أُوْلَـئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } بك أو بكتابهم كما يدعون.

{ إِنَّا أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى } يهدي للحق { وَنُورٌ } يبين ما استبهم من الأحكام { يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ } انقادوا لحكم الله في التوراة وهو صفة أجريت للنبيين على سبيل المدح، وأريد بإجرائها التعريض باليهود لأنهم بعداء عن ملة الإسلام التي هي دين الأنبياء كلهم { لِلَّذِينَ هَادُواْ } تابوا من الكفر، واللام يتعلق بـ «يحكم» { وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأحْبَارُ } معطوفان على «النبيون» أي الزهاد والعلماء { بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ } استودعوا، قيل: ويجوز أن يكون بدلاً من «بها» في «يحكم بها» { مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } «من» للتبيين والضمير في «استحفظوا» للأنبياء والربانيين والأحبار جميعاً ويكون الاستحفاظ من الله أي كلفهم الله حفظه، أو لـ «الربانيون والأحبار» ويكون الاستحفاظ من الأنبياء { وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء } رقباء لئلا يبدل { فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ } نهي للحكام عن خشيتهم غير الله في حكوماتهم وإمضائها على خلاف ما أمروا به من العدل خشية سلطان ظالم أو خيفة أذية أحد { وَٱخْشَوْنِ } في مخالفة أمري وبالياء فيهما: سهل وافقه أبو عَمرو في الوصل { وَلاَ تَشْتَرُواْ } ولا تستبدلوا بآيات الله وأحكامه { ثَمَناً قَلِيلاً } وهو الرشوة وابتغاء الجاه ورضا الناس { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } مستهيناً به { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } قال ابن عباس رضي الله عنهما: من لم يحكم جاحداً فهو كافر، وإن لم يكن جاحداً فهو فاسق ظالم. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: هو عام في اليهود وغيرهم.

{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا } وفرضنا على اليهود في التوراة { أَنَّ ٱلنَّفْسَ } مأخوذة { بِٱلنَّفْسِ } مقتولة بها إذا قتلتها بغير حق { وَٱلْعَيْنَ } مفقوءة { بِٱلْعَيْنِ وَٱلأنْفَ } مجدوع { بِٱلأنْفِ وَٱلأذُنَ } مقطوعة { بِٱلأذُنِ وَٱلسّنَّ } مقلوعة { بِٱلسِّنّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ } أي ذات قصاص وهو المقاصة ومعناه ما يمكن فيه القصاص وإلا فحكومة عدل. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة فنزلت. وقوله «أن النفس بالنفس» يدل عى أن المسلم يقتل بالذمي والرجل بالمرأة والحر بالعبد. نصب نافع وعاصم وحمزة المعطوفات كلها للعطف على ما عملت فيه «أن». ورفعها عليٌّ للعطف على محل «أن النفس» لأن المعنى: وكتبنا عليهم النفس بالنفس إجراء لـ «كتبنا» مجرى «قلنا»، ونصب الباقون الكل ورفعوا الجروح. والأذن بسكون الذال حيث كان: نافع. والباقون: بضمها وهما لغتان كالسحت والسحت { فَمَن تَصَدَّقَ } من أصحاب الحق{ به } بالقصاص وعفا عنه { فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } فالتصدق به كفارة للمتصدق بإحسانه قال عليه السلام "من تصدق بدم فما دونه كان كفارة له من يوم ولدته أمه" { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } بالامتناع عن ذلك.

{ وَقَفَّيْنَا } معنى قفيت الشيء بالشيء جعلته في أثره كأنه جعل في قفاه يقال قفاه بقفوه إذا تبعه { عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِمْ } عى آثار النبيين الذين أسلموا { بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدّقاً } هوحال من «عيسى» { لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التوراة وآتيناه الإِنجيل فيه هُدىً ونورٌ ومُصَدَّقاً لَّما بين يديه من التوراة } أي وآتيناه الإنجيل ثابتاً فيه هدى ونور ومصدقاً، فنصب «مصدقاً» بالعطف على ثابتاً الذي تعلق به فيه وقام مقامه فيه. وارتفع «هدى ونور» بثابتاً الذي قام مقامه فيه { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ } انتصبا على الحال أي هادياً وواعظاً { لّلْمُتَّقِينَ } لأنهم ينتفعون به { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ } وقلنا لهم احكموا بموجبه، فاللام لام الأمر وأصله الكسر، وإنما سكن استثقالاً لفتحة وكسرة وفتحة. «وليحكم» بكسر اللام وفتح الميم: حمزة على أنها لام كي أي وقفينا ليؤمنوا وليحكم. { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } الخارجون عن الطاعة. قال الشيخ أبو منصوررحمه الله : يجوز أن يحمل على الجحود في الثلاث فيكون كافراً ظالماً فاسقاً، لأن الفاسق المطلق والظالم المطلق هو الكافر. وقيل: ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر بنعمة الله ظالم في حكمه فاسق في فعله.

{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } أي القرآن فحرف التعريف فيه للعهد { بِٱلْحَقّ } بسبب الحق وإثباته وتبيين الصواب من الخطأ { مُصَدّقاً } حال من «الكتاب» { لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } لما تقدمه نزولاً. وإنما قيل لما قبل الشيء هو بين يديه لأن ما تأخر عنه يكون وراءه وخلفه فما تقدم عليه يكون قدامه وبين يديه { مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } المراد به جنس الكتب المنزلة لأن القرآن مصدق لجميع كتب الله فكان حرف التعريف فيه للجنس، ومعنى تصديقه الكتب موافقتها في التوحيد والعبادة { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ يُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } [الأنبياء: 25] { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } وشاهداً لأنه يشهد له بالصحة والثبات { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } أي بما في القرآن { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ ٱلْحَقّ } نهى أن يحكم بما حرفوه وبدلوه اعتماداً على قولهم. ضمّن ولا تتبع معنى ولا تنحرف فلذا عدي بـ «من» فكأنه قيل: ولا تنحرف عما جاءك من الحق متبعاً أهواءهم، أو التقدير عادلاً عما جاءك { لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ } أيها الناس { شِرْعَةً } شريعة { وَمِنْهَـٰجاً } وطريقاً واضحاً. واستدل به من قال إن شريعة من قبلنا لا تلزمنا. ذكر الله إنزال التوراة على موسى عليه السلام، ثم إنزال الإنجيل على عيسى عليه السلام، ثم إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، وبين أنه ليس للسماع فحسب بل للحكم به فقال في الأول «يحكم به النبيون» وفي الثاني «وليحكم أهل الإنجيل» وفي الثالث «فاحكم بينهم بما أنزل الله» { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً } جماعة متفقة على شريعة واحدة { ولكن } أراد { لِيَبْلُوَكُمْ } ليعاملكم معاملة المختبر { فِى مآءتٰكُم } من الشرائع المختلفة فتعبّد كل أمة بما اقتضته الحكمة { فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرٰتِ } فابتدروها وسابقوا نحوها قبل الفوات بالوفاة. والمراد بالخيرات كل ما أمر الله تعالى به { إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ } استئناف في معنى التعليل لاستباق الخيرات { جَمِيعاً } حال من الضمير المجرور والعامل المصدر المضاف لأنه في تقدير: إليه ترجعون { فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } فيخبركم بما لا تشكون معه من الجزاء الفاصل بين محقكم ومبطلكم وعاملكم ومفرطكم في العمل.

{ وَأَنِ ٱحْكُم } معطوف على «بالحق» أي وأنزلنا إليك الكتاب بالحق وبأن احكم { بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ } أي يصرفوك وهو مفعول له أي مخافة أن يفتنوك. وإنما حذره وهو رسول مأمون لقطع أطماع القوم { عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ } عن الحكم بما أنزل الله إليك وأرادوا غيره { فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ } أي بذنب التولي عن حكم الله وإرادة خلافه فوضع «ببعض ذنوبهم» موضع ذلك وهذا الإبهام لتعظيم التولي، وفيه تعظيم الذنوب فإن الذنوب بعضها مهلك فكيف بكلها! { وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ ٱلنَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ } لخارجون عن أمر الله { أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } يطلبون. وبالتاء شامي يخاطب بني النضير في تفاضلهم على بني قريظة وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القتلى سواء" فقال بنو النضير: نحن لا نرضى بذلك فنزلت. وسئل طاوس عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض فقرأ هذه الآية. وناصب «أفحكم الجاهلية يبغون» { وَمَنْ أَحْسَنُ } مبتدأ وخبره وهو استفهام في معنى النفي أي لا أحد أحسن { مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً } هو تمييز. واللام في { لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } للبيان كاللام في { هَيْتَ لَكَ } [يوسف: 23] أي هذا الخطاب وهذا الاستفهام «لقوم يوقنون» فإنهم هم الذين يتبينون أن لا أعدل من الله ولا أحسن حكماً منه. وقال أبو علي: معنى لقوم عند قوم لأن اللام و«عند» يتقاربان في المعنى.

ونزل نهياً عن موالاة أعداء الدين.