التفاسير

< >
عرض

فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ
٢٣
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ
٢٤
إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ
٢٥
فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ
٢٦
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ
٢٧
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ
٢٨
فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ
٢٩
قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ
٣٠
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ
٣١
قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ
٣٢
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ
٣٣
مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ
٣٤
فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٣٥
فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
٣٦
وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ
٣٧
-الذاريات

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ فَوَرَبّ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ } الضمير يعود إلى الرزق أو إلى { مَّا تُوعَدُونَ } { مّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } بالرفع: كوفي غير حفص صفة للحق أي حق مثل نطقكم، وغيرهم بالنصب أي إنه لحق حقاً مثل نطقكم، ويجوز أن يكون فتحاً لإضافته إلى غير متمكن و«ما» مزيدة. وعن الأصمعي أنه قال: أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابي على قعود فقال: من الرجل؟ فقلت: من بني أصمع. قال: من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الله، قال: اتلو عليّ فتلوت { وَٱلذرِيَـاتِ } فلما بلغت قوله { وَفِى ٱلسَّمَاء رِزْقُكُمْ } قال: حسبك. فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى، فلما حججت مع الرشيد وطفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق، فالتفت فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر فسلم عليّ واستقرأ السورة، فلما بلغت الآية صاح وقال: { قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً } [الأعراف:44] ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت { فَوَرَبّ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ } فصاح وقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى حلف قالها ثلاثاً وخرجت معها نفسه.

{ هَلُ أَتَاكَ } تفخيم للحديث وتنبيه على أنه ليس من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما عرفه بالوحي وانتظامها بما قبلها باعتبار أنه قال { وَفِى ٱلأَرْضِ ءايَـٰتٌ } وقال في آخر هذه القصة { وَتَرَكْنَا فِيهَا ءايَةً } { حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرٰهِيمَ } الضيف للواحد والجماعة كالصوم والزور لأنه في الأصل مصدر ضافه، وكانوا اثني عشر ملكاً. وقيل: تسعة عاشرهم جبريل. وجعلهم ضيفاً لأنهم كانوا في صورة الضيف حيث أضافهم إبراهيم أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك { ٱلْمُكْرَمِينَ } عند الله لقوله { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } [الأنبياء: 26] وقيل: لأنه خدمهم بنفسه وأخدمهم امرأته وعجل لهم القرى { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ } نصب بـ { ٱلْمُكْرَمِينَ } إذا فسر بإكرام إبراهيم لهم وإلا فبإضمار اذكر { فَقَالُواْ سَلامًا } مصدر سادٌّ مسد الفعل مستغنى به عنه، وأصله نسلم عليكم سلاماً { قَالَ سَلَـٰمٌ } أي عليكم سلام فهو مرفوع على الابتداء وخبره محذوف، والعدول إلى الرفع للدلالة على إثبات السلام كأنه قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به أخذاً بأدب الله، وهذا أيضاً من إكرامه لهم. حمزة وعلي: سلم والسلم السلام { قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } أي أنتم قوم منكرون فعرفوني من أنتم { فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ } فذهب إليهم في خفية من ضيوفه ومن أدب المضيف أن يخفي أمره وأن يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف حذراً من أن يكفه، وكان عامة مال إبراهيم عليه السلام البقر { فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ } ليأكلوا منه فلم يأكلوا { قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } أنكر عليهم ترك الأكل أو حثهم عليه { فَأَوْجَسَ } فأضمر { مِنْهُمْ خِيفَةً } خوفاً لأن من لم يأكل طعامك لم يحفظ ذمامك. عن ابن عباس رضي الله عنهما: وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب { قَالُواْ لاَ تَخَفْ } إنا رسل الله، وقيل: مسح جبريل العجل فقام ولحق بأمه { وَبَشَّرُوهُ بِغُلَـٰمٍ عَلَيمٍ } أي يبلغ ويعلم والمبشر به إسحاق عند الجمهور.

{ فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِى صَرَّةٍ } في صيحة من صر القلم والباب، قال الزجاج: الصرة شدة الصياح ههنا ومحله النصب على الحال أي فجاءت صارة. وقيل: فأخذت في صياح وصرتها قولها يا ويلتا { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا } فلطمت ببسط يديها. وقيل: فضربت بأطراف أصابعها جبهتها فعل المتعجب { وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } أي أنا عجوز فكيف ألد كما قال في موضع آخر { أألد وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِى شَيْخًا } [هود: 72] { قَالُواْ كَذَلِكِ } مثل ذلك الذي قلنا وأخبرنا به { قَالَ رَبُّكِ } أي إنما نخبرك عن الله تعالى والله قادر على ما تستبعدين { إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ } في فعله { ٱلْعَلِيمُ } فلا يخفى عليه شيء. ورُوي أن جبريل قال لها حين استبعدت: انظري إلى سقف بيتك فنظرت فإذا جذوعه مورقة مثمرة. ولما علم أنهم ملائكة وأنهم لا ينزلون إلا بأمر الله رسلاً في بعض الأمور { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ } أي فما شأنكم وما طلبكم وفيم أرسلتم؟ { أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } أرسلتم بالبشارة خاصة أو لأمر آخر أولهما { قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } أي قوم لوط { لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن طِينٍ } أريد السجيل وهو طين طبخ كما يطبخ الآجر حتى صار في صلابة الحجارة { مُّسَوَّمَةً } معلمة من السومة وهي العلامة على كل واحد منها اسم من يهلك به { عِندَ رَبّكَ } في ملكه وسلطانه { لِلْمُسْرِفِينَ } سماهم مسرفين كما سماهم عادين لإسرافهم وعدوانهم في عملهم حيث لم يقتنعوا بما أبيح لهم { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا } في القرية ولم يجر لها ذكر لكونها معلومة { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني لوطاً ومن آمن به { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي غير أهل بيت وفيه دليل على أن الإيمان والإسلام واحد لأن الملائكة سموهم مؤمنين ومسلمين هنا { وَتَرَكْنَا فِيهَا } في قراهم { ءايَةً لّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } علامة يعتبر بها الخائفون دون القاسية قلوبهم. قيل: هي ماء أسود منتن.