التفاسير

< >
عرض

وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ
٢٢
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ
٢٣
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ
٢٤
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ
٢٥
قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ
٢٦
فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ
٢٧
إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ
٢٨
فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ
٢٩
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ
٣٠
قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ
٣١
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
٣٢
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ
٣٣
فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ
٣٤
أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ
٣٥
أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ
٣٦
أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ
٣٧
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٣٨
أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ
٣٩
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ
٤٠
أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ
٤١
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ
٤٢
أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٤٣
وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ
٤٤
فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ
٤٥
يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
٤٦
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٧
وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ
٤٨
وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ
٤٩
-الطور

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَأَمْدَدْنَـٰهُم } وزدناهم في وقت بعد وقت { بِفَـٰكِهَةٍ وَلَحْمٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ } وإن لم يقترحوا { يَتَنَـٰزَعُونَ فِيهَا كَأْساً } خمراً أي يتعاطون ويتعاورون هم وجلساؤهم من أقربائهم يتناول هذا الكأس من يد هذا وهذا من يد هذا { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا } في شربها { وَلاَ تَأْثِيمٌ } أي لا يجري بينهم ما يلغي يعني لا يجري بينهم باطل ولا ما فيه إثم لو فعله فاعل في دار التكليف من الكذب والشتم ونحوهما كشاربي خمر الدنيا، لأن عقولهم ثابتة فيتكلمون بالحكم والكلام الحسن. { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } مكي وبصري.

{ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ } مملوكون لهم مخصوصون بهم { كَأَنَّهُمْ } من بياضهم وصفائهم { لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } في الصدف لأنه رطباً أحسن وأصفى أو مخزون لأنه لا يخزن إلا الثمين الغالي القيمة، في الحديث: "إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادي الخادم من خدامه فيجيبه ألف ببابه لبيك لبيك"

{ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ } يسأل بعضهم بعضاً عن أحواله وأعماله وما استحق به نيل ما عند الله { قَالُواْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ } أي في الدنيا { فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } أرقاء القلوب من خشية الله أو خائفين من نزع الإيمان وفوت الأمان، أو من رد الحسنات والأخذ بالسيئات { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } بالمغفرة والرحمة { وَوَقَـٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } هي الريح الحارة التي تدخل المسام فسميت بها نار جهنم لأنها بهذه الصفة { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ } من قبل لقاء الله تعالى والمصير إليه يعنون في الدنيا { نَدْعُوهُ } نعبده ولا نعبد غيره ونسأله الوقاية { إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ } المحسن { الرّحيم } العظيم الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب. { أَنَّهُ } بالفتح: مدني وعلي أي بأنه أو لأنه { فَذَكِّرْ } فاثبت على تذكير الناس وموعظتهم { فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبَّكَ } برحمة ربك وإنعامه عليه بالنبوة ورجاحة العقل { بِكَـٰهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } كما زعموا وهو في موضع الحال والتقدير لست كاهناً ولا مجنوناً ملتبساً بنعمة ربك.

{ أَمْ يَقُولُونَ } هو { شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } حوادث الدهر أي ننتظر نوائب الزمان فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة. و«أم» في أوائل هذه الآي منقطعة بمعنى بل والهمزة { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنّى مَعَكُمْ مّنَ ٱلْمُتَرَبّصِينَ } أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَـٰمُهُمْ } عقولهم { بِهَـٰذَا } التناقض في القول وهو قولهم كاهن وشاعر مع قولهم مجنون وكانت قريش يدعون أهل الأحلام والنهي { أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } مجاوزون الحد في العناد مع ظهور الحق لهم، وإسناد الأمر إلى الأحلام مجاز { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ } اختلقه محمد من تلقاء نفسه { بَلِ } رد عليهم أي ليس الأمر كما زعموا { لاَ يُؤْمِنُونَ } فلكفرهم وعنادهم يرمون بهذه المطاعن مع علمهم ببطلان قولهم وأنه ليس بمتقول لعجز العرب عنه وما محمد إلا واحد من العرب { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ } مختلق { مّثْلِهِ } مثل القرآن { إِن كَانُواْ صَـٰدِقِينَ } في أن محمداً تقوله من تلقاء نفسه لأنه بلسانهم وهم فصحاء { أم خُلِقُواْ } أم أحدثوا وقدروا التقدير الذي عليه فطرتهم { مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ } من غير مقدر { أَمْ هُمُ ٱلخَالِقُونَ } أم هم الذين خلقوا أنفسهم حيث لا يعبدون الخالق. وقيل: أخلقوا من أجل لا شيء من جزاء ولا حساب أم هم الخالقون فلا يأتمرون { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } فلا يعبدون خالقهما { بَل لاَّ يُوقِنُونَ } أي لا يتدبرون في الآيات فيعلموا خالقهم وخالق السماوات والأرض.

{ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبّكَ } من النبوة والرزق وغيرهما فيخصوا من شاءوا بما شاءوا { أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ } الأرباب الغالبون حتى يدبروا أمر الربوبية ويبنوا الأمور على مشيئتهم. وبالسين: مكي وشامي.

{ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ } منصوب يرتقون به إلى السماء { يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } كلام الملائكة وما يوحى إليهم من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كائن من تقدم هلاكه على هلاكهم وظفرهم في العاقبة دونه كما يزعمون. قال الزجاج: يستمعون فيه أي عليه { فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } بحجة واضحة تصدق استماع مستمعهم { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَـٰتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } ثم سفه أحلامهم حيث اختاروا لله ما يكرهون وهم حكماء عند أنفسهم { أَمْ تَسْـئَلُهُمْ أَجْراً } على التبليغ والإنذار { فَهُم مّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } المغرم أن يلتزم الإنسان ما ليس عليه أي لزمهم مغرم ثقيل فدحهم فزهدهم ذلك في اتباعك { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ } أي اللوح المحفوظ { فَهُمْ يَكْتُبُونَ } ما فيه حتى يقولوا لا نبعث وإن بعثنا لم نعذب { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً } وهو كيدهم في دار الندوة برسول الله وبالمؤمنين { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } إشارة إليهم أو أريد بهم كل من كفر بالله تعالى { هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } هم الذين يعود عليهم وبال كيدهم ويحيق بهم مكرهم وذلك أنهم قتلوا يوم بدر، أو المغلوبون في الكيد من كايدته فكدته { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ } يمنعهم من عذاب الله { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مّنَ ٱلسَّمَاء سَـٰقِطاً يَقُولُواْ سَحَـٰبٌ } والكسف القطعة وهو جواب قولهم: { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا } [الإسراء: 92] يريد أنهم لشدة طغيانهم وعنادهم لو أسقطناه عليهم لقالوا هذا سحاب { مَّرْكُومٌ } قدركم أي جمع بعضه على بعض يمطرنا ولم يصدقوا أنه كسف ساقط للعذاب.

{ فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى فِيهِ يُصْعَقُونَ } بضم الياء: عاصم وشامي. الباقون بفتح الياء، يقال: صعقه فصعق وذلك عند النفخة الأولى نفخة الصعق { يَوْمَ لاَ يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ * وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } وإن لهؤلاء الظلمة { عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } دون يوم القيامة وهو القتل ببدر والقحط سبع سنين وعذاب القبر { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ذلك. ثم أمره بالصبر إلى أن يقع بهم العذاب فقال { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ } بإمهالهم وبما يلحقك فيه من المشقة { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } أي بحيث نراك ونكلؤك. وجمع العين لأن الضمير بلفظ الجماعة ألا ترى إلى قوله { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِى } [طه: 39] { وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ حِينَ تَقُومُ } للصلاة وهو ما يقال بعد التكبير سبحانك اللهم وبحمدك، أو من أي مكان قمت أو من منامك { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ وَإِدْبَـٰرَ ٱلنُّجُومِ } وإذا أدبرت النجوم من آخر الليل وأدبار زيد أي في أعقاب النجوم وآثارها إذا غربت، والمراد الأمر بقول سبحان الله وبحمده في هذه الأوقات. وقيل: التسبيح الصلاة إذا قام من نومه، ومن الليل صلاة العشاءين، وإدبار النجوم صلاة الفجر، وبالله التوفيق.