التفاسير

< >
عرض

إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ
٢٣
أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ
٢٤
فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ
٢٥
وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ
٢٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ
٢٧
وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً
٢٨
فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا
٢٩
ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ
٣٠
وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى
٣١
ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ
٣٢
أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ
٣٣
وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ
٣٤
أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ
٣٥
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ
٣٦
وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ
٣٧
أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ
٣٨
-النجم

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ إِنْ هِىَ } ما الأصنام { إِلاَّ أَسْمَاء } ليس تحتها في الحقيقة مسميات لأنكم تدعون الإلهية لما هو أبعد شيء منها وأشذ منافاة لها { سَمَّيْتُمُوهَا } أي سميتم بها يقال سميته زيداً وسميته بزيد { أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـٰنٍ } حجة { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } إلا توهم أن ما هم عليه حق { وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ } وما تشتهيه أنفسهم { وَلَقَدْ جَاءهُم مّن رَّبّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } الرسول والكتاب فتركوه ولم يعملوا به { أَمْ لِلإنسَـٰنِ مَا تَمَنَّىٰ } هي «أم» المنقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار أي ليس للإنسان يعني الكافر ما تمنى من شفاعة الأصنام أو من قوله: { وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَىٰ رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [فصلت: 50]. وقيل: هو تمني بعضهم أن يكون هو النبي { فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ } أي هو مالكهما وله الحكم فيهما يعطى النبوة والشفاعة من شاء وارتضى لا من تمني.

{ وَكَمْ مّن مَّلَكٍ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ لاَ تُغْنِى شَفَـٰعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَىٰ } يعني أن أمر الشفاعة ضيق فإن الملائكة مع قربتهم وكثرتهم لو شفعوا بأجمعهم لأحد لم تغن شفاعتهم شيئاً قط، ولا تنفع إلا إذا شفعوا من بعد أن يأذن الله لهم في الشفاعة لمن يشاء الشفاعة له ويرضاه ويراه أهلاً لأن يشفع له فكيف تشفع الأصنام إليه لعبدتهم { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ } أي كل واحد منهم { تَسْمِيَةَ ٱلأُنثَىٰ } لأنهم إذا قالوا للملائكة بنات الله فقد سموا كل واحد منهم بنتاً وهي تسمية الأنثى.

{ وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ } أي بما يقولون وقرىء بها أي بالملائكة أو التسمية { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } هو تقليد الآباء { وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقّ شَيْئاً } أي إنما يعرف الحق الذي هو حقيقة الشيء وما هو عليه بالعلم والتيقن لا بالظن والتوهم { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا } فأعرض عمن رأيته معرضاً عن ذكر الله أي القرآن { وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا * ذٰلِكَ } أي اختيارهم الدنيا والرضا بها { مَبْلَغُهُمْ مّنَ ٱلْعِلْمِ } منتهى علمهم { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } أي هو أعلم بالضال والمهتدي ومجازيهما.

{ وَلِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ أَسَٰئُواْ بِمَا عَمِلُواْ } بعقاب ما عملوا من السوء أو بسبب ما عملوا من السوء { وَيِجْزِى ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } بالمثوبة الحسنى وهي الجنة أو بسبب الأعمال الحسنى، والمعنى أن الله عز وجل إنما خلق العالم وسوى هذه الملكوت ليجزي المحسن من المكلفين والمسيء منهم إذ الملك أهل لنصر الأولياء وقهر الأعداء { ٱلَّذِينَ } بدل أو في موضع رفع على المدح أي هم الذين { يَجْتَنِبُونَ كَبَـٰئِرَ ٱلإثْمِ } أي الكبائر من الإثم لأن الإثم جنس يشتمل على كبائر وصغائر والكبائر الذنوب التي يكبر عقابها، { كَبِيرٌ } حمزة وعلي أي النوع الكبير منه { وَٱلْفَوٰحِشَ } ما فحش من الكبائر كأنه قال: والفواحش منها خاصة. قيل: الكبائر ما أوعد الله عليه النار والفواحش ما شرع فيها الحد { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } أي الصغائر والاستثناء منقطع لأنه ليس من الكبائر والفواحش وهو كالنظرة والقبلة واللمسة والغمزة { إِنَّ رَبَّكَ وٰسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ } فيغفر ما يشاء من الذنوب من غير توبة { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ } أي أباكم { مّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ } جمع جنين { فِى بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ } فلا تنسبوها إلى زكاء العمل وزيادة الخير والطاعات، أو إلى الزكاة والطهارة من المعاصي ولا تثنوا عليها واهضموها فقد علم الله الزكي منكم والتقي أولاً وآخراً قبل أن يخرجكم من صلب آدم عليه السلام، وقبل أن تخرجوا من بطون أمهاتكم. وقيل: كان ناس يعملون أعمالاً حسنة ثم يقولون صلاتنا وصيامنا وحجنا فنزلت. وهذا إذا كان على سبيل الإعجاب أو الرياء لا على سبيل الاعتراف بالنعمة فإنه جائز لأن المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } فاكتفوا بعلمه عن علم الناس وبجزائه عن ثناء الناس.

{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِى تَوَلَّىٰ } أعرض عن الإيمان.

{ وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } قطع عطيته وأمسك، وأصله إكداء الحافر وهو أن تلقاه كدية وهي صلابة كالصخرة فيمسك عن الحفر. عن ابن عباس رضي الله عنهما: فيمن كفر بعد الإيمان. وقيل: في الوليد بن المغيرة وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيره بعض الكافرين وقال له: تركت دين الأشياخ وزعمت أنهم في النار. قال: إني خشيت عذاب الله. فضمن له إن هو أعطاه شيئاً من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله ففعل وأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له ثم بخل به ومنعه { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } فهو يعلم أن ما ضمنه من عذاب الله حق { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ } يخبر { بِمَا فِى صُحُفِ مُوسَىٰ } أي التوراة { وَإِبْرٰهِيمَ } أي وفي صحف إبراهيم { ٱلَّذِى وَفَّىٰ } أي وفر وأتم كقوله { فَأَتَمَّهُنَّ } [البقرة: 124] وإطلاقه ليتناول كل وفاء وتوفية. وقرىء مخففاً والتشديد مبالغة في الوفاء. وعن الحسن: ما أمره الله بشيء إلا وفى به، وعن عطاء بن السائب: عهد أن لا يسأل مخلوقاً فلما قذف في النار قال له جبريل: ألك حاجة؟ فقال أما إليك فلا. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "وفي عمله كل يوم بأربع ركعات في صدر النهار وهي صلاة الضحى" ورُوي "ألا أخبركم لم سمى الله خليله الذي وفى؟ كان يقول إذا أصبح وإذا أمسى: { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ } إلى { حِينٍ تُظْهِرُونَ } [الروم: 18]" وقيل: وفي سهام الإسلام وهي ثلاثون: عشرة في «التوبة» { ٱلتَّـٰئِبُونَ } [التوبة: 112]، وعشرة في «الأحزاب» { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ } [الآية: 35] وعشرة في «المؤمنين» { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [المؤمنون: 1] ثم أعلم بما في صحف موسى وإبراهيم فقال { أَلاَّ تَزِرُ وٰزِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } تزر من وزر يزر إذا اكتسب وزراً وهو الإثم، و «إن» مخففة من الثقيلة والمعنى أنه لا تزر والضمير ضمير الشأن ومحل «أن» وما بعدها الجر بدلاً من { مَا فِى صُحُفِ مُوسَىٰ } أو الرفع على هو أن لا تزر كأن قائلاً قال: وما في صحف موسى وإبراهيم؟ فقيل: { أَلاَّ تَزِرُ وٰزِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } أي لا تحمل نفس ذنب نفس.