التفاسير

< >
عرض

وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ
٣٩
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ
٤٠
ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ
٤١
وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ
٤٢
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ
٤٣
وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا
٤٤
وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ
٤٥
مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ
٤٦
وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ
٤٧
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ
٤٨
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ
٤٩
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ
٥٠
وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ
٥١
وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ
٥٢
وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ
٥٣
فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ
٥٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ
٥٥
هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ
٥٦
أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ
٥٧
لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ
٥٨
أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ
٥٩
وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ
٦٠
وَأَنتُمْ سَامِدُونَ
٦١
فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ
٦٢
-النجم

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَـٰنِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } إلا سعيه وهذه أيضاً مما في صحف إبراهيم وموسى، وأما ما صح في الأخبار من الصدقة عن الميت والحج عنه فقد قيل: إن سعي غيره لما لم ينفعه إلا مبنياً على سعي نفسه وهو أن يكون مؤمناً كان سعي غيره كأنه سعي نفسه لكونه تابعاً له وقائماً بقيامه، ولأن سعي غيره لا ينفعه إذا عمله لنفسه ولكن إذا نواه به فهو بحكم الشرع كالنائب عنه والوكيل القائم مقامه { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ } أي يرى هو سعيه يوم القيامة في ميزانه { ثُمَّ يُجْزَاهُ } ثم يجزى العبد سعيه. يقال: جزاه الله عمله وجزاه على عمله بحذف الجار وإيصال الفعل، ويجوز أن يكون الضمير للجزاء. ثم فسره بقوله { ٱلْجَزَاء ٱلأَوْفَىٰ } أو أبدله عنه { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } هذا كله في الصحف الأولى. والمنتهى مصدر بمعنى الانتهاء أي ينتهي إليه الخلق ويرجعون إليه كقوله: { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } [آل عمران: 28] { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ } خلق الضحك والبكاء. وقيل: خلق الفرح والحزن. وقيل: أضحك المؤمنين في العقبى بالمواهب وأبكاهم في الدنيا بالنوائب و{ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } قيل: أمات الآباء وأحيا الأبناء، أو أمات بالكفر وأحيا بالإيمان، أو أمات هنا وأحيا ثمة { وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } إذا تدفق في الرحم يقال منى وأمنى { وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ } الإحياء بعد الموت { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } وأعطى القنية وهي المال الذي تأثلته وعزمت أن لا تخرجه من يدك.

{ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشّعْرَىٰ } هو كوكب يطلع بعد الجوزاء في شدة الحر وكانت خزاعة تعبدها، فأعلم الله أنه رب معبودهم هذا { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } هم قوم هود وعاد الأخرى إرم { عَادٍ الولى } مدني وبصري غير سهل بإدغام التنوين في اللام وطرح همزة { أُوْلِى } ونقل ضمتها إلى لام التعريف { وَثَمُودَاْ فَمَا أَبْقَىٰ } حمزة وعاصم الباقون { وَثَمُودَاْ } وهو معطوف على { عَاداً } ولا ينصب بـ { فَمَا أَبْقَىٰ } لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبله لا تقول: زيداً فضربت، وكذا ما بعد النفي لا يعمل فيما قبله، والمعنى وأهلك ثمود فما أبقاهم.

{ وَقَوْمَ نُوحٍ } أي أهلك قوم نوح { مِن قَبْلُ } من قبل عاد وثمود { إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ } من عاد وثمود لأنهم كانوا يضربونه حتى لا يكون به حرام وينفرون عنه حتى كانوا يحذرون صبيانهم أن يسمعوا منه { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ } والقرى التي ائتفكت بأهلها أي انقلبت وهم قوم لوط يقال: أفكه فأتفك { أَهْوَىٰ } أي رفعها إلى السماء على جناح جبريل ثم أهواها إلى الأرض أي أسقطها و { المؤتفكة } منصوب بـ { أَهْوَىٰ } { فَغَشَّـٰهَا } ألبسها { مَا غَشَّىٰ } تهويل وتعظيم لما صب عليها من العذاب وأمطر عليها من الصخر المنضود { فَبِأَىّ الآء رَبّكَ } أيها المخاطب { تَتَمَارَىٰ } تتشكك بما أولاك من النعم أو بما كفاك من النقم، أو بأي نعم ربك الدالة على وحدانيته وربوبيته تشكك { هَـٰذَا نَذِيرٌ } أي محمد منذر { مّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } من المنذرين الأولين. وقال { ٱلأولَىٰ } على تأويل الجماعة أو هذا القرآن نذير من النذر الأولى أي إنذار من جنس الإنذارات الأولى التي أنذر بها من قبلكم { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } قربت الموصوفة بالقرب في قوله: { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [القمر: 1] { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } أي ليس لها نفس كاشفة أي مبينة متى تقوم كقوله: { لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ } [الأعراف: 187]. أو ليس لها نفس كاشفة أي قادرة على كشفها إذا وقعت إلا الله تعالى غير أنه لا يكشفها { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } أي القرآن { تَعْجَبُونَ } إنكاراً { وَتَضْحَكُونَ } استهزاء { وَلاَ تَبْكُونَ } خشوعاً { وَأَنتُمْ سَـٰمِدُونَ } غافلون أو لاهون لاعبون، وكانوا إذا سمعوا القرآن عارضوه بالغناء ليشغلوا الناس عن استماعه { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ } أي فاسجدوا لله واعبدوه ولا تعبدوا الآلهة، والله أعلم.