التفاسير

< >
عرض

إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ
١
لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ
٢
خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ
٣
إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً
٤
وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً
٥
فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً
٦
وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً
٧
فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ
٨
وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ
٩
وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ
١٠
أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ
١١
فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
١٢
ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ
١٣
وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ
١٤
عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ
١٥
مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ
١٦
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ
١٧
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ
١٨
لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ
١٩
وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ
٢٠
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ
٢١
وَحُورٌ عِينٌ
٢٢
كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ
٢٣
جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٤
لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً
٢٥
إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً
٢٦
وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ
٢٧
فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ
٢٨
وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ
٢٩
وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ
٣٠
وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ
٣١
وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ
٣٢
لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ
٣٣
وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ
٣٤
-الواقعة

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } قامت القيامة. وقيل: وصفت بالوقوع لأنها تقع لا محالة فكأنه قيل: إذا وقعت الواقعة التي لا بد من وقوعها. ووقوع الأمر نزوله يقال: وقع ما كنت أتوقعه أي نزل ما كنت أترقب نزوله. وانتصاب { إِذَا }بإضمار «اذكر» { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } نفس كاذبة أي لا تكون حين تقع نفس تكذب على الله وتكذب في تكذيب الغيب لأن كل نفس حينئذ مؤمنة صادقة مصدقة، وأكثر النفوس اليوم كواذب مكذبات. واللام مثلها في قوله تعالى: { يٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى } [الفجر: 24] { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } أي هي خافضة رافعة ترفع أقواماً وتضع آخرين { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } حركت تحريكاً شديداً حتى ينهدم كل شيء فوقها من جبل وبناء، وهو بدل من { إِذَا وَقَعَتِ }، ويجوز أن ينتصب بـ { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } أي تخفض وترفع وقت رجّ الأرض وبسّ الجبال { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } وفتتت حتى تعود كالسويق أو سيقت من بس الغنم إذا ساقها كقوله: { وَسُيّرَتِ ٱلْجِبَالُ } [النبأ: 20] { فَكَانَتْ هَبَاء } غباراً { مُّنبَثّاً } متفرقاً { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً } أصنافاً يقال للأصناف التي بعضها من بعض أو يذكر بعضها من بعض أزواج { ثَلَـٰثَةً } صنفان في الجنة وصنف في النار.

ثم فسر الأزواج فقال { فَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ } مبتدأ وهم الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم { مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ } مبتدأ وخبر وهما خبر المبتدأ الأول، وهو تعجيب من حالهم في السعادة وتعظيم لشأنهم كأنه قال: ما هم وأي شيء هم؟ { وَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ } أي الذين يؤتون صحائفهم بشمائلهم أو أصحاب المنزلة السنية وأصحاب المنزلة الدنية الخسيسة من قولك: فلان مني باليمين وفلان مني بالشمال إذا وصفتهما بالرفعة عندك والضعة، وذلك لتيمنهم بالميامن وتشاؤمهم بالشمائل. وقيل: يؤخذ بأهل الجنة ذات اليمين وبأهل النار ذات الشمال { مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ } أي أيُّ شيء هم؟ وهو تعجيب من حالهم بالشقاء { وَٱلسَّـٰبِقُونَ } مبتدأ { ٱلسَّـٰبِقُونَ } خبره تقديره السابقون إلى الخيرات السابقون إلى الجنات. وقيل: الثاني تأكيد للأول والخبر { أُوْلَـئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } والأول أوجه { فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } أي هم في جنات النعيم { ثُلَّةٌ مّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مّنَ ٱلآخِرِينَ } أي هم ثلة، والثلة الأمة من الناس الكثيرة، والمعنى أن المسابقين كثير من الأولين وهم الأمم من لدن آدم إلى نبينا محمد عليهما السلام، وقليل من الآخرين وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: من الأولين من متقدمي هذه الأمة، ومن الآخرين من متأخريها. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "الثلتان جميعاً من أمتي" .

{ عَلَىٰ سُرُرٍ } جمع سرير ككثيب وكثب { مَّوْضُونَةٍ } مرمولة ومنسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت { مُتَّكِئِينَ } حال من الضمير في { عَلَىٰ } وهو العامل فيها أي استقروا عليها متكئين { عَلَيْهَا مُتَقَـٰبِلِينَ } ينظر بعضهم في وجوه بعض ولا ينظر بعضهم في أقفاء بعض، وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق وصفاء المودة و{ مُّتَقَـٰبِلِينَ } حال أيضاً { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ } يخدمهم { وِلْدٰنٌ } غلمان جمع وليد { مُّخَلَّدُونَ } مبقّون أبداً على شكل الولدان لا يتحولون عنه. وقيل: مقرّطون والخلدة القرط. قيل: هم أولاد أهل الدنيا لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها، وفي الحديث: "أولاد الكفار خدام أهل الجنة"

{ بِأَكْوَابٍ } جمع كوب وهي آنية لا عروة لها ولا خرطوم { وَأَبَارِيقَ } جمع إبريق وهو ماله خرطوم وعروة { وَكَأْسٍ } وقدح فيه شراب وإن لم يكن فيه شراب فليس بكأس { مّن مَّعِينٍ } من خمر تجري من العيون { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } أي بسببها وحقيقته لا يصدر صداعهم عنها أو لا يفرقون عنها { وَلاَ يُنزِفُونَ } ولا يسكرون. نزف الرجل ذهب عقله بالسكر. { وَلاَ يُنزِفُونَ } بكسر الزاي: كوفي أي لا ينفد شرابهم. يقال: أنزف القوم إذا فني شرابهم { وَفَـٰكِهَةٍ مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } يأخذون خيره وأفضله.

{ وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ } يتمنون { وَحُورٌ } جمع حوراء { عِينٌ } جمع عيناء أي وفيها حور عين أو ولهم حور عين، ويجوز أن يكون عطفاً على { وِلْدٰنٌ } { وَحُورٌ }: يزيد وحمزة وعلي عطفاً على { جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } كأنه قال: هم في جنات النعيم وفاكهة ولحم وحورٍ { كَأَمْثَـٰلِ ٱللُّؤْلُؤِ } في الصفاء والنقاء { ٱلْمَكْنُونِ } المصون. وقال الزجاج: كأمثال الدر حين يخرج من صدفه لم يغيره الزمان واختلاف أحوال الاستعمال { جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } جزاء مفعول له أي يفعل بهم ذلك كله لجزاء أعمالهم أو مصدر أي يجزون جزاء.

{ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا } في الجنة { لَغْواً } باطلاً { وَلاَ تَأْثِيماً } هذياناً { إِلاَّ قِيلاً سَلَـٰماً سَلَـٰماً } إلا قولاً ذا سلامة. والاستثناء منقطع و{ سَلاَماً } بدل من { قِيلاً } أو مفعول به لـ { قِيلاً } أي لا يسمعون فيها إلا أن يقولوا سلاماً سلاماً. والمعنى أنهم يفشون السلام بينهم فيسلمون سلاماً بعد سلام { وَأَصْحَـٰبُ ٱلْيَمِينِ مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْيَمِينِ * فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } السدر شجر النبق والمخضود الذي لا شوك له كأنما خضد شوكه { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } الطلح شجر الموز والمنضود الذي نضد بالحمل من أسفله إلى أعلاه فليست له ساق بارزة { وَظِلّ مَّمْدُودٍ } ممتد منبسط كظل ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } جار بلا حد ولا خد أي يجري على الأرض في غير أخدود { وَفَـٰكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } أي كثيرة الأجناس { لاَّ مَقْطُوعَةٍ } لا تنقطع في بعض الأوقات كفواكه الدنيا بل هي دائمة { وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } لا تمنع عن متناولها بوجه. وقيل: لا مقطوعة بالأزمان ولا ممنوعة بالأثمان { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } رفيعة القدر أو نضدت حتى ارتفعت أو مرفوعة على الأسرة. وقيل: هي النساء لأن المرأة يكنى عنها بالفراش مرفوعة على الأرائك قال الله تعالى: { { هُمْ وَأَزْوٰجُهُمْ فِى ظِلَـٰلٍ عَلَى ٱلأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ } [يس: 56]. ويدل عليه قوله.