التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ
٩٣
وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
٩٤
إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ
٩٥
فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ
٩٦
وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٩٧
وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ
٩٨
وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّٰتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ لأَيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٩٩
وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ
١٠٠
بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١٠١
ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
١٠٢
لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ
١٠٣
-الأنعام

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } هو مالك بن الصيف { أَوْ قَالَ أُوْحِي إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } هو مسيلمة الكذاب { وَمَن قَالَ } في موضع جر عطف على { مَنِ ٱفْتَرَىٰ } أي وممن قال { سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ } أي سأقول وأملي هو عبد الله بن سعد ابن أبي سرح كاتب الوحي، وقد أملى النبي عليه السلام عليه { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ } إلى { خَلْقاً ءاخَرَ } [المؤمنون: 14] فجرى على لسانه { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } [المؤمنون: 14]. فقال عليه السلام: "اكتبها فكذلك نزلت" فشك وقال: إن كان محمد صادقاً فقد أوحي إلي كما أوحي إليه، وإن كان كاذباً فقد قلت كما قال، فارتد ولحق بمكة. أو النضر ابن الحرث كان يقول: والطاحنات طحناً فالعاجنات عجناً فالخابزات خبزاً كأنه يعارض { وَلَوْ تَرَىٰ } جوابه محذوف أي لرأيت أمراً عظيماً { إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ } يريد الذين ذكرهم من اليهود والمتنبئة فتكون اللام للعهد، ويجوز أن تكون للجنس فيدخل هؤلاء لاشتماله { فِي غَمْرَاتِ ٱلْمَوْتِ } شدائده وسكراته { وَٱلْمَلَٰـئِكَةُ بَاسِطُوآ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ } أي يبسطون إليهم أيديهم يقولون: هاتوا أرواحكم أخرجوها إلينا من أجسادكم، وهذه عبارة عن التشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال { ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } أرادوا وقت الإماتة وما يعذبون به من شدة النزع. والهون: الهوان الشديد وإضافة العذاب إليه كقولك «رجل سوء» يريد العراقة في الهوان والتمكن فيه { بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ } من أن له شريكاً وصاحبة وولداً. { غَيْرَ ٱلْحَقِّ } مفعول { تَقُولُونَ } أو وصف لمصدر محذوف أي قولاً غير الحق { وَكُنتُمْ عَنْ ءَايَـٰتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } فلا تؤمنون بها { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا } للحساب والجزاء { فرٰدىٰ } منفردين بلا مال ولا معين وهو جمع فريد كأسير وأسارى { كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ } في محل النصب صفة لمصدر { جِئْتُمُونَا } أي مجيئاً مثل ما خلقناكم { أَوَّلَ مَرَّةٍ } على الهيئات التي ولدتم عليها في الانفراد { وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَـٰكُمْ } ملكناكم { وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } ولم تحتملوا منه نقيراً { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَٰوءُاْ } في استعبادكم { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } بينكم وصلكم عن الزجاج والبين: الوصل والهجر قال

فوالله لولا البين لم يكن الهوى ولولا الهوى ما حن للبين الف

بَيْنِكُمْ } مدني وعلي وحفص أي وقع التقطع بينكم { وَضَلَّ عَنكُم } وضاع وبطل { مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } أنها شفعاؤكم عند الله.

{ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } بالنبات والشجر أي فلق الحب عن السنبلة والنواة عن النخلة، والفلق: الشق، وعن مجاهد: أراد الشقين اللذين في النواة والحنطة { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } النبات الغض النامي من الحب اليابس { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ } الحب اليابس من النبات النامي، أو الإنسان من النطفة والنطفة من الإنسان، أو المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، فاحتج الله عليهم بما يشاهدونه من خلقه لأنهم أنكروا البعث فأعلمهم أنه الذي خلق هذه الأشياء فهو يقدر على بعثهم. وإنما قال { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيّتِ } بلفظ اسم الفاعل لأنه معطوف على فالق الحب لا على الفعل { وَيُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } موقعه موقع الجملة المبينة لقوله { فَالِقُ ٱلْحَبّ وَٱلنَّوَىٰ } لأن فلق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس إخراج الحي من الميت لأن النامي في حكم الحيوان دليله قوله: { ويحيي الأرض بعد موتها } [الروم: 19]. { ذَٰلِكُـمُ ٱللَّهُ } ذلكم المحيي والمميت هو الله الذي تحق له الربوبية لا الأصنام { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } فكيف تصرفون عنه وعن تواليه إلى غيره بعد وضوح الأمر بما ذكرنا { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } هو مصدر سمي به الصبح أي شاق عمود الصبح عن سواد الليل أو خالق نور النهار { وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ } { وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ } كوفي لأن اسم الفاعل الذي قبله بمعنى المضي، فلما كان فالق بمعنى فلق عطف عليه { جَعَلَ } لتوافقهما معنى { سَكَناً } مسكوناً فيه من قوله { لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } [يونس: 67] أي ليسكن فيه الخلق عن كد المعيشة إلى نوم الغفلة، أو عن وحشة الخلق إلى الأنس بالحق { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } انتصبا بإضمار فعل يدل عليه جاعل الليل أي وجعل الشمس والقمر { حُسْبَاناً } أي جعلهما على حسبان لأن حساب الأوقات يعلم بدورهما وسيرهما. والحسبان بالضم مصدر حسب كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسب { ذٰلِكَ } إشارة إلى جعلهما حسباناً أي ذلك التسيير بالحساب المعلوم { تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ } الذي قهرهما وسخرهما { ٱلْعَلِيمِ } بتدبيرهما وتدويرهما { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ } خلقها { لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرِ وَٱلْبَحْرِ } أي في ظلمات الليل بالبر وبالبحر، وأضافها إليهما لملابستها لهما أو شبه مشتبهات الطرق بالظلمات { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } قد بينا الآيات الدالة على التوحيد لقوم يعلمون.

{ وَهُوَ ٱلَّذِي أَنشَأَكُم مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } هي آدم عليه السلام { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } { فَمُسْتَقَر } بالكسر: مكي وبصري. فمن فتح القاف كان المستودع اسم مكان مثله، ومن كسرها كان اسم فاعل والمستودع اسم مفعول يعني فلكم مستقر في الرحم ومستودع في الصلب، أو مستقر فوق الأرض ومستودع تحتها، أو فمنكم مستقر ومنكم مستودع { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } وإنما قيل { يَعْلَمُونَ } ثم { يَفْقَهُونَ } هنا لأن الدلالة ثمّ أظهر وهنا أدق، لأن إنشاء الإنس من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة أدق فكان ذكر الفقه الدال على تدقيق النظر أوفق { وَهُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً } من السحاب مطراً { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } بالماء { نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } نبت كل صنف من أصناف النامي أي السبب وهو الماء واحد والمسببات صنوف مختلفة { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ } من النبات { خَضِْرًا } أي شيئاً غضاً أخضر. يقال أخضر وخضر وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة { نُّخْرِجُ مِنْهُ } من الخضر { حَبّاً مُّتَرَاكِباً } وهو السنبل الذي تراكب حبه { وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوٰنٌ } هو رفع بالابتداء { وَمِنَ ٱلنَّخْلِ } خبره و { مِن طَلْعِهَا } بدل منه كأنه قيل: وحاصلة من طلع النخل قنوان وهو جمع قنو وهو العذق نظيره «صنو» و «صنوان». { دَانِيَةٌ } من المجتني لانحنائها بثقل حملها أو لقصر ساقها، وفيه اكتفاء أي وغير دانية لطولها كقوله { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [النحل: 81] { وَجَنَّـٰتٍ } بالنصب عطفاً على { نَبَاتَ كُلّ شَيْءٍ } أي وأخرجنا به جنات { مِّنْ أَعْنَـٰبٍ } أي مع النخل وكذا { وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ } { وَجَنَّـٰتٍ } بالرفع: الأعشى أي وثم جنات من أعناب أي مع النخل { مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَـٰبِهٍ } يقال اشتبه الشيئان وتشابها نحو استويا وتساويا، والافتعال والتفاعل يشتركان كثيراً وتقديره: والزيتون متشابهاً وغير متشابه، والرمان كذلك يعني بعضه متشابه وبعضه غير متشابه في القدر واللون والطعم { ٱنْظُرُواْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ } إذا أخرج ثمره كيف يخرجه ضعيفاً لا ينتفع به { وَيَنْعِهِ } ونضجه أي انظروا إلى حال نضجه كيف يعود شيئاً جامعاً لمنافع، نظر اعتبار واستدلال على قدرة مقدره ومدبره وناقله من حال إلى حال.

{ إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } { ثَمَرِهِ } وكذا ما بعده: حمزة وعلي جمع ثمار فهو جمع الجمع يقال: ثمرة وثمر وثمار وثمر.

{ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ ٱلْجِنَّ } إن جعلت { لِلَّهِ شُرَكَاءَ } مفعولي { جَعَلُواْ } كان { ٱلْجِنَّ } بدلاً من { شُرَكَاء } وإلا كان { شُرَكَاء ٱلْجِنَّ } مفعولين قدم ثانيهما على الأوّل، وفائدة التقديم استعظام أن يتخذ لله شريك من كان ملكاً أو جنياً أو غير ذلك، والمعنى أنهم أطاعوا الجن فيما سولت لهم من شركهم فجعلوهم شركاء لله { وَخَلَقَهُمْ } أي وقد خلق الجن فكيف يكون المخلوق شريكاً لخالقه؟ والجملة حال، أو وخلق الجاعلين لله شركاء فكيف يعبدون غيره؟ { وَخَرَقُواْ لَهُ } أي اختلقوا يقال: خلق الإفك وخرقه واختلقه واخترقه بمعنى، أو هو من خرق الثوب إذا شقه أي اشتقوا له { بَنْيَـنَ } كقول أهل الكتابين في المسيح وعزير { وَبَنَاتٍ } كقول بعض العرب في الملائكة. { وَخَرَقُواْ } بالتشديد للتكثير: مدني لقوله { بَنِينَ وَبَنَاتٍ } { بِغَيْرِ عِلْمٍ } من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوا من خطأ أو صواب ولكن رمياً بقول عن جهالة، وهو حال من فاعل { خرقوا } أي جاهلين بما قالوا { سُبْحَـٰنَهُ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ } من الشريك والولد { بَدِيعُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } يقال بدُع الشيء فهو بديع وهو من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها يعني بديع سمواته وأرضه، أو هو بمعنى المبدع أي مبدعها وهو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ وخبره { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } أو هو فاعل { تَعَالَى } { وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَـٰحِبَةٌ } أي من أين يكون له ولد والولد لا يكون إلا من صاحبة ولا صاحبة له، ولأن الولادة من صفات الأجسام ومخترع الأجسام لا يكون جسماً حتى يكون له ولد { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي ما من شيء إلا وهو خالقه وعالمه ومن كان كذلك كان غنياً عن كل شيء والولد إنما يطلبه المحتاج { ذٰلِكُمُ } إشارة إلى الوصوف بما تقدم من الصفات وهو مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة وهي { ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } وقوله { فَٱعْبُدُوهُ } مسبب عن مضمون الجملة أي من استجمعت له هذه الصفات كان هو الحقيق بالعبادة فاعبدوه ولا تعبدوا من دونه من بعض خلقه { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي هو مع تلك الصفات مالك لكل شيء من الأَرزاق والآجال رقيب على الأعمال { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } لا تحيط به أو أبصار من سبق ذكرهم. وتشبث المعتزلة بهذه الآية لا يستتب لأن المنفي هو الإدراك لا الرؤية، والإدراك هو الوقوف على جوانب المرئي وحدوده، وما يستحيل عليه الحدود والجهات يستحيل إدراكه لا رؤيته، فنزل الإدراك من الرؤية منزلة الإحاطة من العلم، ونفى الإحاطة التي تقتضي الوقوف على الجوانب والحدود لا يقتضي نفي العلم به فهكذا هذا، على أن مورد الآية وهو التمدح يوجب ثبوت الرؤية إذ نفي إدراك ما تستحيل رؤيته لا تمدح فيه لأن كل ما لا يرى لا يدرك، وإنما التمدح بنفي الإدراك مع تحقق الرؤية إذ انتفاؤه مع تحقق الرؤية دليل ارتفاع نقيصة التناهي والحدود عن الذات، فكانت الآية حجة لنا عليهم. ولو أمعنوا النظر فيها لاغتنموا التقصي عن عهدتها، ومن ينفي الرؤية يلزمه نفي أنه معلوم موجود وإلا فكما يعلم موجوداً بلا كيفية وجهة بخلاف كل موجود لم يجز أن يرى بلا كيفية وجهة بخلاف كل مرئي، وهذا لأن الرؤية تحقق الشيء بالبصر كما هو، فإن كان المرئي في الجهة يرى فيها وإن كان لا في الجهة يرى لا فيها { وَهُوَ } للطف إدراكه { يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ } أي العالم بدقائق الأمور ومشكلاتها { ٱلْخَبِيرُ } العليم بظواهر الأشياء وخفياتها وهو من قبيل اللف والنشر.