التفاسير

< >
عرض

لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً
٧
وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً
٨
فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً
٩
أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً
١٠
رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً
١١
ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً
١٢
-الطلاق

مدارك التنزيل وحقائق التأويل

{ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءاتَاهُ ٱللَّهُ } أي لينفق كل واحد من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه يريد ما أمر به من الإنفاق على المطلقات والمرضعات، ومعنى { قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } ضيق أي رزقه الله على قدر قوته { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَآ ءاتَاهَا } أعطاها من الرزق { سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } بعد ضيق في المعيشة سعة وهذا وعد لذي العسر باليسر.

{ وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ } من أهل قرية { عَتَتْ } أي عصت { عَنْ أَمْرِ رَبّهَا وَرُسُلِهِ } أعرضت عنه على وجه العتو والعناد { فَحَاسَبْنَـٰهَا حِسَاباً شَدِيداً } بالاستقصاء والمناقشة { وَعَذَّبْنَـٰهَا عَذَاباً نُّكْراً } { نُّكْراً } مدني وأبو بكر منكراً عظيماً { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَـٰقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً } أي خساراً وهلاكاً، والمراد حساب الآخرة وعذابها وما يذوقون فيها من الوبال ويلقون من الخسر. وجيء به على لفظ الماضي لأن المنتظر من وعد الله ووعيده ملقى في الحقيقة وما هو كائن فكأن قد { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } تكرير للوعيد وبيان لكونه مترقباً كأنه قال: أعد الله لهم هذا العذاب { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } فليكن لكم ذلك يا أولي الألباب من المؤمنين لطفاً في تقوى الله وحذر عقابه، ويجوز أن يراد إحصاء السيئات واستقصاؤها عليهم في الدنيا وإثباتها في صحائف الحفظة وما أصيبوا به من العذاب في العاجل، وأن يكون { عَتَتْ } وما عطف عليه صفة للقرية و { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ } جواباً لـ { كأين } { قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً } أي القرآن. وانتصب { رَسُولاً } بفعل مضمر تقديره أرسل رسولاً أو بدل من { ذِكْراً } كأنه في نفسه ذكراً وعلى تقدير حذف المضاف أي قد أنزل الله إليكم ذا ذكر رسولاً، أو أريد بالذكر الشرف كقوله { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف: 44] أي ذا شرف ومجد عند الله وبالرسول جبريل أو محمد عليهما السلام { يَتْلُواْ } أي الرسول أو الله عز وجل { عَلَيْكُمْ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ مُبَيّنَـٰتٍ لّيُخْرِجَ } الله.

{ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } أي ليحصل لهم ما هم عليه الساعة من الإيمان والعمل الصالح، أو ليخرج الذين علم أنهم يؤمنون { مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } من ظلمات الكفر أو الجهل إلى نور الإيمان أو العلم { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَـٰلِحاً يُدْخِلْهُ } وبالنون: مدني وشامي { جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } وحد وجمع حملاً على لفظ «من» ومعناه { قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } فيه معنى التعجب والتعظيم لما رزق المؤمنين من الثواب { ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ } مبتدأ وخبر { سَبْعَ سَمَـٰوٰتٍ } أجمع المفسرون على أن السماوات سبع { وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } بالنصب عطفاً على { سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ } قيل: ما في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع إلا هذه الآية، وبين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام وغلظ كل سماء كذلك، والأرضون مثل السماوات. وقيل: الأرض واحدة إلا أن الأقاليم سبعة { يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ } أي يجري أمر الله وحكمه بينهن وملكه ينفذ فيهن { لّتَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } اللام يتعلق بـ { خُلِقَ } { وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلّ شَىْء عِلْمَا } هو تمييز أو مصدر من غير لفظ الأول أي قد علم كل شيء علماً وهو علام الغيوب.